اختلفا لم يكن لواحد منهما حجة على صاحبه حتى أدلى ابن عبّاس بالحجة بالسنة، ففلج - أي: فاز، وغلب خصمه بحجته -.
وهذا يبيّن لك أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أصحابي كالنجوم" هو على ما فسّره المزنيّ وغيره، وأن ذلك في النقل؛ لأن جميعهم ثقات عدول، فواجب قبول من نقل كلّ واحد منهم، ولو كانوا كالنجوم في آرائهم، واجتهادهم إذا أختلفوا لقال ابن عباس للمسور: أنت نجم، وأنا نجمٌ، فلا عليك، وبأيّنا اقتدى المقتدي فقد اهتدى، ولَمَا احتاج لطلب البيّنة، والبرهان من السنّة على صحّة قوله.
وكذا سائر الصحابة - رضي الله عنهم - إذا اختلفوا حكمهم كحكم ابن عبّاس والمسور، وهم أوّل من تلا:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية [النساء: ٥٩]. قال العلماء: إلى كتاب الله، وإلى سنة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - ما كان حيًّا، فإن قُبض فإلى سنّته.
ألا ترى أن ابن مسعود قيل له: إن أبا موسى الأشعريّ قال في أخت، وابنة ابن: إن للابنة النصفَ، وللأخت السدسَ، ولا شيء لبنت الابن، وأنه قال للسائل: ائت ابن مسعود، فإنه سيتابعنا، فقال ابن مسعود:{قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا}[الأنعام: ٥٦] أقضي فيها بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للبنت النصفُ، ولابنة الابن السدسُ تكملة للثلثين، وما بقي فللأخت".
وبعضهم لم يرفع هذا الحديث، وجعله موقوفًا على ابن مسعود.
وفي "الموطإ" أن أبا موسى الأشعريّ أفتى بجواز رضاع الكبير، وردّ ذلك عليه ابن مسعود، فقال أبو موسى: لا تسألوني ما دام هذا الحبر بين أظهركم.
وروى مالك عن ابن مسعود: أنه رجع عن قوله في الربيبة إلى قول أصحابه في المدينة (١).
(١) رواه مالك في "الموطإ" في "كتاب النكاح"، "باب ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته"، ولفظه: وحدثني عن مالك، عن غير واحد، أن عبد الله بن مسعود، استفتي وهو بالكوفة، عن نكاح الأم بعد الابنة، إذا لم تكن الابنة مُسّت، فأرخص=