للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمعنى: زمان، أو مكان تحلّلي من الإحرام، فـ "محلّي" مبتدأ، خبره قوله: (حَيْثُ حَبَسْتَنِي") أي: منعتني من السير بسبب ثِقَل المرض.

وفائدة هذا الاشتراط أن تفسير حلالًا بدون دوم الإحصار.

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني معناه: أنه - صلى الله عليه وسلم - لما استفهمها عن إرادة الحج اعتَلَّت بأنها مريضة، وأنها خافت إن اشتد مرضها أن يتعذر عليها الإحلال، بناءً منها على أن المحصر بالمرض لا يتحلل إلا بالطواف بالبيت، وإن طال مرضه، كما هو مذهب مالك وغيره، فلما خافت هذا أقرّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، ثم رَخَّصَ لهادي أن تشترط: أن لها التحلل حيث حبسها مرضها.

وبظاهر هذا الحديث قال جماعة من العلماء من الصحابة، والتابعين، وغيرهم؛ منهم: عمر، وعلي، وابن مسعود، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور.

وللشافعي قولان، فقال كل هؤلاء: يجوز الاشتراط في الحج، وأنه له الفسخ إذا وقع شرطه.

ومنع ذلك جماعة أخرى، وقالوا: إنه لا ينفع؛ منهم: ابن عمر، والزهريّ، ومالك، وأبو حنيفة؛ متمسكين بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وبقوله: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}، واعتذروا عن هذا الحديث بوجهين:

أحدهما: ادعاء الخصوص بهذه المرأة.

وثمانيهما: أنهم حملوه على التحلل بالعمرة، فإنها أرادت أن تحج؛ كما جاء مفسرًا من رواية ابن المسيب، وهو: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر ضباعة أن تشترط وتقول: "اللهم الحج أردت، فإن تيسر، وإلا فعمرة".

وروي عن عائشة: أنها كانت تقول: "للحج خرجت، وله قصدت، فإن قضيته فهو الحج، وإن حال دونه شيء فهوالعمرة"، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن المذهب الأرجح هو ما ذهب إليه


(١) "المفهم" ٣/ ٢٩٥ - ٢٩٦.