لأهللت بعمرة"، قالت: وكان من القوم من أهلّ بعمرة، ومنهم من أهلّ بالحج، فقالت: فكنت أنا ممن أهلّ بعمرة، وذكرت … الحديث، رواه مسلم.
فهذا صريح في أنه لم يهلّ إذ ذاك بعمرة، فإذا جَمَعتَ بين قول عائشة هذا، وبين قولها في "الصحيح": تمتّع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، وبين قولها: وأهلّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج، والكل في "الصحيح"، علمتَ أنها إنما نَفَت عمرة مفردةً، وأنها لم تنف عمرة القران، وكانوا يسمونها تمتعًا، كما تقدم، وأن ذلك لا يناقض إهلاله بالحجّ، فإن عمرة القران في ضمنه، وجزء منه، ولا ينافي قولها: أفرد الحجّ؛ لأن أعمال العمرة لَمّا دخلت في أعمال الحجّ، وأُفردت أعماله، كان ذلك إفرادًا بالفعل.
وأما التلبية بالحج مفردًا، فهو إفراد بالقول.
وقد قيل: إن حديث ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمتع في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحج، مروي بالمعنى الآخر من حديثه، وأن ابن عمر هو الذي فعل ذلك عام حجه في فتنة ابن الزبير، وأنه بدأ، فأهلّ بالعمرة، ثم قال: ما شأنهما إلا واحدٌ، أشهدكم أني قد أوجبت حجًّا مع عمرتي، فأهلّ بهما جميعًا، ثم قال في آخر الحديث: هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أراد اقتصاره على طواف واحد، وسعي واحد، فحُمِل على المعنى، ورُوي به: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ، فأهلّ بالعمرة، ثم أهلّ بالحج، وإنما الذي فعل ذلك ابن عمر، وهذا ليس ببعيد، بل متعين، فإن عائشة قالت عنه: "لولا أن معي الهدي لأهللت بعمرة"، وأنس قال عنه: إنه حين صلى الظهر أوجب حجًّا وعمرة، وعمر - رضي الله عنه - أخبر عنه أن الوحي جاءه من ربه، فأمره بذلك.
[فإن قيل]: فما تصنعون بقول الزهري: إن عروة أخبره عن عائشة بمثل حديث سالم، عن ابن عمر؟
[قيل]: الذي أخبرت به عائشة من ذلك، هو أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف طوافًا واحدًا عن حجه وعمرته، وهذا هو الموافق لرواية عروة عنها في "الصحيحين": "وطاف الذين أهلّوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم حلُّوا، ثم طافوا