ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعلم تأويله، فما عَمِل به من شيء، عملنا به، فأهلّ بالتوحيد:"لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لا شريك لك"، وأهلّ الناس بهذا يهلّون به، ولزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيته، فأخبر جابر أنه لم يزد على هذه التلبية، ولم يذكر أنه أضاف إليها حجًّا ولا عمرةً، ولا قرانًا، وليس في شيء من هذه الأعذار ما يناقض أحاديث تعيينه النسك الذي أحرم به في الابتداء، وأنه القران.
فأما حديث طاووس، فهو مرسلٌ، لا يعارض به الأساطين المسندات، ولا يعرف اتصاله بوجه صحيح، ولا حسن، ولو صحّ، فانتظاره للقضاء، كان فيما بينه وبين الميقات، فجاءه القضاء، وهو بذلك الوادي، أتاه آت من ربه تعالى، فقال:"صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة"، فهذا القضاء الذي انتظره جاءه قبل الإحرام، فعيَّن له القران، وقول طاووس: نزل عليه القضاء، وهو بين الصفا والمروة، وهو قضاء آخر غير القضاء الذي نزل عليه بإحرامه، فإن ذلك كان بوادي العقيق، وأما القضاء الذي نزل عليه بين الصفا والمروة، فهو قضاء الفسخ الذي أَمَر به الصحابة إلى العمرة، فحينئذ أَمَر كلَّ من لم يكن معه هدي منهم، أن يفسخ حجه إلى عمرة، وقال:"لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سُقت الهدي، ولجعلتها عمرة"، وكان هذا أمر حتم بالوحي، فإنهم لما توقفوا فيه، قال:"انظروا الذي آمركم به، فافعلوه".
وأما قول عائشة - رضي الله عنها -: "خرجنا لا نذكر حجّا ولا عمرة"، فهذا إن كان محفوظًا عنها، وجب حمله على ما قبل الأحرام، وإلا ناقض سائر الروايات الصحيحة عنها أن منهم من أهلّ عند الميقات بحج، ومنهم من أهلّ بعمرة، وأنها ممن أهلّ بعمرة، وأما قولها:"نلبي لا نذكر حجًّا ولا عمرة"، فهذا في ابتداء الإحرام، ولم تقل: إنهم استمروا على ذلك إلى مكة، هذا باطل قطعًا، فإن الذين سمعوا إحرام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أهلّ به شهدوا على ذلك، وأخبروا به، ولا سبيل إلى ردّ رواياتهم، ولو صح عن عائشة ذلك، لكان غايته أنها لم تحفظ إهلالهم عند الميقات، فنفته، وحفظه غيرها من الصحابة، فأثبته، والرجال بذلك أعلم من النساء.