للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واحد، فيتعيّن الجمع بين الروايتين على ما ذكرناه. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى كون هذا التأويل متكلّفًا، بل الظاهر ما ذهب إليه أبو حنيفة، وأحمد، ومن قال بقولهما، من أن من اعتمر، وساق الهدي لا يتحلّل حتى يبلغ الهدي محلّه، وينحره يوم النحر، ولا حاجة إلى تأويل هذه الرواية الصريحة، إلى الرواية الأخرى، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم.

وقوله: (وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ) هذا بظاهره يقتضي أنه - صلى الله عليه وسلم - ما أمرهم بفسخ الحجّ إلى العمرة، مع أن الصحيح بروايات أربعة عشر من الصحابة - رضي الله عنهم - أنه أمر من لم يسق الهدي بفسخ الحجّ، وجعله عمرة، فحينئذ لا بدّ من حمل هذا الحديث على من ساق الهدي، والأمر بالفسخ من لم يسق الهدي، فلا منافاة، قاله السنديّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "حاشية مسلم" (٢).

وقولها: (فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ) قال القرطبي - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا مخالف لقولها في الرواية الأخرى: "فلما كان يوم النحر طهرت"، ووجه التوفيق أن يُحْمَل على أنه تقارب انقطاع الدم عنها يوم عرفة، ورأت علامة الطهر يوم النحر. انتهى (٣).

وقولها: (حَتى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ) "كان" هنا تامّةٌ لا تحتاج إلى خبر، فهي بمعنى "جاء"، و"يوم" مرفوع على الفاعلية، قال الحريريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "ملحته":

وَإِنْ تَقُلْ يَا قَومِ قَدْ كَانَ الْمَطَرْ … فَلَسْتَ تَحْتَاجُ لَهَا إِلَى خَبَرْ

وقولها: (وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ) هذا صريح في كون عائشة - رضي الله عنها - لم تُحرم إلا بعمرة، وقد سبق أن هذا في ثاني الحالين، فإنها كانت أولًا ابتدأت بالحجّ، ثم قلبته إلى العمرة بعد أن أمر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بذلك، فصارت معتمرة، ثم أدخلت عليها الحجّ، فصارت قارنة، فتنبّه.

وقولها: (وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ) تقدّم أن الصحيح في معناه ترك أعمالها، لا


(١) "شرح النوويّ" ٨/ ١٤٢.
(٢) نقله في "المرعاة شرح المشكاة" ٩/ ٥٠.
(٣) "المفهم" ٣/ ٣٠٣.