من جبير بن مطعم، وإنكار منه لَمّا رأى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واقفًا بعرفة مخالفًا لعادة قريش، ولذلك قال:(فَمَا شَأْنهُ هَا هُنَا؟) أي في عرفة (وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَدُّ مِنْ الْحُمْسِ) تقدّم معناه قريبًا، أي فما باله يقف بعرفة، والحمس لا يقفون بها؛ لأنهم لا يخرجون من الحرم.
وفي رواية الإسماعيليّ من طريق عثمان بن أبي شيبة، وابن أبي عمر جميعًا عن سفيان:"فما له خرج من الحرم".
[تنبيه]: قوله: "وكانت قريش تُعدّ من الحمس"، هذه الزيادة ليست في رواية البخاريّ، قال في "الفتح" بعد ذكر هذه الزيادة عند مسلم ما نصّه: هذه الزيادة توهم أنها من أصل الحديث، وليس كذلك، بل هي من قول سفيان، بيّنه الحميديّ في "مسنده" عنه، ولفظه متّصلًا بقوله:"فما شأنه ههنا؟ " قال سفيان: والأحمس الشديد على دينه، وكانت قريش تُسمّى الحمس، وكان الشيطان قد استهواهم، فقال لهم: إنكم إن عظّمتم غير حرمكم، استخفّ الناس بحرمكم، فكانوا لا يخرجون من الحرم. ووقع عند الإسماعيليّ من طريقيه بعد قوله:"فما له خرج من الحرم؟ " قال سفيان: الحمس - يعني قريشًا - وكانت تسمّى الحمس، وكانت لا تجاوز الحرم، ويقولون: نحن أهل الله، لا نخرج من الحرم، وكان سائر الناس يقف بعرفة، وذلك قوله:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}[البقرة: ١٩٩]. انتهى.
وروى ابن خزيمة، وإسحاق ابن راهويه في "مسنده" موصولًا من طريق ابن إسحاق، حدثنا عبد الله بن أبي بكر، عن عثمان بن أبي سليمان، عن عمّه نافع بن جبير، عن أبيه، قال:"كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة، ويقولون: نحن الحمس، فلا نخرج من الحرم، وقد تركوا الموقف بعرفة، قال: فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجاهليّة يقف مع الناس بعرفة على جمل له، ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة، فيقف معهم، ويدفع إذا دفعوا"، ولفظ يونس بن بكير، عن ابن إسحاق في "المغازي" مختصرًا، وفيه:"توفيقًا من الله له"، وأخرجه إسحاق أيضًا عن الفضل بن موسى، عن عثمان بن الأسود، عن عطاء أن جبير بن مطعم، قال:"أضللت حمارًا لي في الجاهليّة، فوجدته بعرفة، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفًا بعرفات مع الناس، فلما أسلمت علمت أن الله وفّقه لذلك".