للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَدِمَ) بكسر الدال، يقال: قَدِمَ من سفره، كعَلِمَ قُدُومًا، وقِدْمانًا بالكسر: آب، أي رجع، فهو قادم (١)، والمعنى أتى ذلك الرجل مكة قادمًا من بلده (بِعُمْرَةٍ) أي مهلًّا، وملبّيًا بعمرة (فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أي لم يسع، قال في "الفتح": وإطلاق الطواف على السعي إما للمشاكلة، وإما لكونه نوعًا من الطواف، ولوقوعه في مصاحبة طواف البيت. انتهى (٢).

(أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟) أي هل حلّ من إحرامه حتى يجوز له أن يجامع أهله؟؛ لتحلّله بالطواف، أم ما زال على إحرامه حتى يسعى بين الصفا والمروة؟، وإنما خصّ إتيان المرأة بالذكر مع أن سائر محرّمات الإحرام كذلك؛ لأنه أعظم المحزمات في الإحرام (٣). (فَقَالَ) ابن عمر -رضي الله عنهما- (قَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) أي مكة (فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْو سَبْعًا) أي سعى بينهما سبعة مرّات (وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ إُسْوَةٌ) بكسر الهمزة، وضمّها: أي قدوة (حَسَنَةٌ) قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: معناه: لا يحلّ له ذلك؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يتحلل من عمرته حتى طاف وسعى، فتجب متابعته، والاقتداء به، وهذا الحكم الذي قاله ابن عمر -رضي الله عنهما- هو مذهب العلماء كافّةً، وهو أن المعتمر لا يتحلل إلا بالطواف، والسعي، والحلق، إلا ما حكاه القاضي عياض، عن ابن عباس، وإسحاق ابن راهويه، أنه يتحلل بعد الطواف، وإن لم يَسْعَ، وهذا ضعيف، مخالف للسنة. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ (٤).

[تنبيه]: زاد في رواية البخاريّ في آخر الحديث ما نصّه: "قال: وسألنا جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، فقال: لا يقربنها حتى يطوف بين الصفا والمروة"، والقائل: "وسألنا إلخ" هو عمرو بن دينار، وقوله: "لا يقربنّها" بنون التوكيد، والمراد نهي المباشرة بالجماع، ومقدّماته، لا مجرّد القرب منها.

قال في "الفتح": أجابهم ابن عمر -رضي الله عنهما- بالإشارة إلى وجوب اتباع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، لا سيّما في أمر المناسك؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لتأخذوا عني مناسككم" (٥)، وأجابهم


(١) "القاموس المحيط" ٤/ ١٦٢.
(٢) "الفتح" ٥/ ٣٦.
(٣) راجع: "الفتح" ٢/ ١١٨، كتاب الصلاة، رقم (٣٩٦).
(٤) "شرح النوويّ" ٨/ ٢١٩.
(٥) رواه مسلم.