للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأن في الحديث التصريح بأن ذلك كان في حجة الوداع، وقيل: لا وجه في ذلك إلَّا أن يقال: إنما لم تستثن أسماء عائشة لشهرة قصتها، وفيه بُعد أيضًا، نعم إنما هذا يتأتى إذا قلنا: كانت عائشة طاهرة حين ذكرت أسماء إياها، وعطفتها على نفسها في قولها: "اعتمرت أنا، وأختي عائشة"، ثم طرأ عليها الحيض، ثم إنها لم تستثنها في قولها: "فلما مسحنا البيت" لشهرتها أنها كانت حائضًا في ذلك الوقت، أو نسيت أن تستثنيها، فافهم، قاله في "العمدة" (١).

(وَالزُّبَيْرُ، وَفُلَانٌ، وَفُلَانٌ) كأنها سمّت بعض من عرفته، ممن لم يسق الهدي، قال الحافظ: ولم أقف على تعيينهم، فقد تقدم من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن أكثر الصحابة كانوا كذلك. انتهى.

(فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا) أي طفنا بالبيت، فاستلمنا الركن، وفي حديث عائشة: "مسحنا الركن"، فالمسح مجاز عن الطواف، وساغ هذا المجاز؛ لأن كل من طاف بالبيت يمسح الركن، فصار يطلق على الطواف، كما قال عمر بن أبي ربيعة [من الطويل]:

وَلَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَاجَةٍ … وَمَسَّحَ بِالأَرْكَانِ مَنْ هُوَ مَاسِحُ

أي طاف من هو طائف، قال عياض: ويَحْتَمِل أن يكون معنى "مسحوا": طافوا، وسَعَوا، وحذف السعي اختصارًا لَمّا كان منوطًا بالطواف، قال: ولا حجة في هذا الحديث لمن لم يوجب السعي؛ لأن أسماء أخبرت أن ذلك كان في حجة الوداع، وقد جاء مفسَّرًا من طرق أخرى صحيحة أنهم طافوا معه، وسعوا، فَيُحْمَل ما أُجمل على ما بُيِّن، والله أعلم.

واستُدِلّ به على أن الحلق أو التقصير استباحة محظور؛ لقولها: إنهم أحلوا بعد الطواف، ولم تذكُر الحلق.

وأجاب من قال بأنه نسك: بأنها سكتت عنه، ولا يلزم من ذلك ترك فعله، فإن القصّة واحدة، وقد ثبتٌ الأمر بالتقصير في عدّة أحاديث:

منها حديث جابر: أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يجعلوها عمرة، ويطوفوا، ثم يُقصّروا، ويحلّوا، متّفقٌ عليه.


(١) "عمدة القاري" ١٠/ ١٣١.