للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ عَائِشَةَ) -رضي الله عنها- أنها (قَالَتْ: طَافَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) بفتح الواو (حَوْلَ الْكَعْبَةِ) منصوب على الظرفية متعلّق بـ "طاف"، وكذا قوله: (عَلَى بَعِيرِهِ) تقدّم أنه بفتح الموحّدة، وتُكسر (يَسْتَلِمُ) أي يلمس (الرُّكْنَ) أي الحجر الأسود، زاد في رواية النسائيّ: "بمحجنه" (كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضْرَبَ عَنْهُ النَّاسُ) قال النوويّ رحمهُ اللهُ: هكذا هو في معظم النسخ: "يُضْرَب" بالباء الموحّدة، وفي بعضها: "يُصْرَف" بالصاد المهملة، والفاء، وكلاهما صحيح. انتهى.

فقوله: "كراهية" منصوب على أنه مفعول لأجله، و"يُضرب" بالبناء للمفعول، أي إنما فعل ذلك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأجل كراهته ضرب الناس أمامه.

ومرجع الضمير في قوله: "يصرف عنه الناس" يَحْتَمِل كونه للركن، يعني أنه لو طاف ماشيًا لانصرف الناس عن الحجر، كلما مرّ إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ توقيرًا له أن يُزاحَم.

ويَحْتَمل كون مرجعه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، يعني لو لم يركب لانصرف الناس عنه؛ لأن كل من رام الوصول إليه لسؤال، أو لرؤية، أو لاقتداء لا يقدر؛ لكثرة الخلق حوله، فينصرف من غير تحصيل حاجته، وهذا الاحتمال هو الأظهر؛ لموافقته لما دلّ عليه حديث جابر -رضي الله عنه- حيث ذكر هذه العلة بقوله: "يستلم الركن بمحجنه؛ لأن يراه الناس، وليُشرف عليهم، وليسألوه" (١).

[فإن قلت]: كيف تجمع بين حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف بالبيت على راحلته، فإذا انتهى إلى الركن أشار إليه"، وبين حديث عائشة -رضي الله عنها- هذا؟.

[قلت]: يُجاب بحمل ما دلّ عليه حديث عائشة -رضي الله عنها-، من استلامه بالمحجن على أنه كان قريبًا، وذلك لكونه آمنًا من إيذاء الناس، وأن ما دلّ عليه حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- من الإشارة إليه على أنه كان بعيدًا عنه؛ خشية إيذائهم، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) راجع: "المرقاة" ٥/ ٤٩٠.