وقال النوويّ رحمه الله تعالى: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟، قول الزور، أو شهادة الزور"، فليس على ظاهره المتبادر إلى الأفهام منه؛ وذلك لأن الشرك أكبر منه بلا شكّ، وكذا القتل، فلا بُدّ من تأويله، وفي تأويله ثلاثة أوجه:
[أحدها]: أنه محمول على الكفر، فإن الكافر شاهد بالزور، وعامل به.
[والثاني]: أنه محمول على المستحلّ، فيصير بذلك كافرًا.
[والثالث]: أن المراد: من أكبر الكبائر، كما قدمناه في نظائره، وهذا الثالث هو الظاهر، أو الصواب، فأما حمله على الكفر فضعيف؛ لأن هذا خرج مخرج الزجر عن شهادة الزور في الحقوق، وأما قبح الكفر، وكونه أكبر الكبائر فكان معروفًا عندهم، ولا يتشكك أحد من أهل القبلة في ذلك، فحمله عليه يُخرجه عن الفائدة.
ثم الظاهر الذي يقتضيه عموم الحديث، وإطلاقه، والقواعد أنه لا فرق في كون شهادة الزور بالحقوق كبيرةً، بين أن تكون بحق عظيم أو حقير، وقد يحتمل على بُعْد أن يقال فيه الاحتمال الذي قَدَّمته عن الشيخ أبي محمد بن عبد السلام في أكل تمرة من مال اليتيم. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه المصنّف هنا في "الإيمان"[٤٠/ ٢٦٧ و ٢٦٨](٨٨)، و (البخاريّ) في "الشهادات"(٢٦٥٣)، و"الأدب"(٥٩٧٧)، و"الديات"(٦٨٧١)، و (الترمذيّ) في "البيوع"(١٢٠٧)، و"التفسير"(٣٠١٨)، و (النسائيّ) في "القسامة"(٤٨٦٨)، و"الكبرى"(٣٤٧٣)، و (أحمد) في "مسنده"(٣/ ٢٢٥، (وأبو عوانة) في "مسنده"(١٤٧)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه"(٢٦١)، وفوائد الحديث تقدّمت في حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.