للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقولها: (قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلخ) أي فرضه، وجعله ركنًا بالسنّة، وليس مرادها نفي فرضيّته، ويؤيّد هذا قولها: "ما أتمّ الله حجّ من لم يطف بين الصفا والمروة"، وفي لفظ: "ما أتمّ الله حج امرئ، ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة".

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قولها: "قد سنّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "الطواف بينهما سَنّ: بمعنى شَرَع وبيَّن، وهو ركن واجب من أركان الحج والعمرة عند جمهور السلف، وفقهاء الخلف، كما تقدم، ولا ينجبر بالدَّم، ومن تركه، أو شوطًا منه عاد إليه ما لم يُصِب النساء؛ فإن أصاب أعاد قابلًا حجة أو عمرة.

واستدل الجمهور: بأن الله تعالى قد جعله من الشعائر، وفعله النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: "خذوا عني مناسككم"، وبحديث حبيبة بنت أبي تِجْراة الشيبية، قالت: رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطوف بين الصفا والمروة، وهو يقول: "اسْعَوْا، فإن الله كتب عليكم السعي"، غير أن هذا الحديث تفرَّد به عبد الله بن المؤمِّل، وهو سيئ الحفظ (١)، وقد تقدّم الكلام فيه.

[تنبيه]: رواية الليث، عن ابن شهاب هذه ساقها الطبريّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٢) في "تفسيره" ٢/ ٤٧ فقال: حدّثني المثني، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدّثني الليث، قال: حدّثني عُقيل، عن ابن شهاب، قال: حدّثني عروة بن الزبير، قال: سألت عائشة، فقلت لها: أرأيت قول الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، وقلت لعائشة: والله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، فقالت عائشة: بئسما قلت يا ابن أختي، إن هذه الآية لو كانت كما أوّلتها كانت: لا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها إنما أُنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يُهِلّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون بالْمُشَلَّل، وكان مَن أهلّ لها يتحرج أن


(١) "المفهم" ٣/ ٣٨٥.
(٢) رواية الليث هذه ساقها أيضًا أبو عوانة في "مسنده"، فكان العزو إليه أقرب، لكني اخترت رواية الطبريّ؛ لكونها أقرب إلى رواية المصنّف، وأما أبو عوانة فساقها مطوّلة بقصّة أبي بكر بن عبد الرحمن المذكورة، فتنبّه.