٤ - (ومنها): أن فيه ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض: حُصين، عن كثير، عن عبد الرحمن، ورواية كثير عن عبد الرحمن من رواية الأكابر عن الأصاغر، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) النخعيّ، أنه (قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ) بْنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- (وَنَحْنُ بِجَمْعٍ) جملة في محلّ نصب على الحال، أي والحال أننا نازلون في جمع، وهي المزدلفة (سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) يعني النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والجملة مقول "قال"، قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وفيه دليل على جواز قول: "سورة البقرة"، و"سورة النساء"، وشبه ذلك، وكَرِهَ ذلك بعض الأوائل، وقال: إنما يقال: السورة التي تذكر فيها البقرة، والسورة التي تذكر فيها النساء، وشبهُ ذلك، والصواب جواز قول:"سورة البقرة"، و"سورة النساء"، و"سورة المائدة"، وغيرها، وبهذا قال جماهير العلماء، من الصحابة، والتابعين، فمن بعدهم، وتظاهرت به الأحاديث الصحيحة، من كلام النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والصحابة -رضي الله عنهم-، كحديث:"من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة، في ليلة كفتاه"، والله أعلم.
قال: وأما قول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة"، فإنما خَصّ البقرة؛ لأن معظم أحكام المناسك فيها، فكأنه قال: هذا مقام مَن أُنزلت عليه المناسك، وأُخِذ عنه الشرع، وبَيَّنَ الأحكام، فاعتمدوه، وأراد بذلك الردّ على من يقول بقطع التلبية من الوقوف بعرفات، وهذا معنى قوله في الرواية الثانية:"أن عبد الله لَبَّى حين أفاض من جمع، فقيل: أعرابي هذا؟ " فقال ابن مسعود ما قال؛ إنكارًا على المعترض، وردًّا عليه، والله أعلم. انتهى.
وقوله:(يَقُولُ) جملة حاليّة من المفعول (فِي هَذَا الْمَقَامِ) ولفظ النسائيّ: "في هذا المكان"، يعني المزدلفة، وقوله: ("لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ") مقول "يقول"، وفيه دليلٌ على استحباب إدامة التلبية بعد الوقوف بعرفات، وفي المزدلفة ليلة النحر، وصباحه، وأنها لا تُقطع إلا إذا رمى جمرة العقبة في ذلك اليوم، وهو