كنتم تلزمونها، أم يكون معها ذكر آخر؟، وفي الرواية التالية:"قال: قلت لأنس بن مالك غداة عرفة: ما تقول في التلبية هذا اليوم؟ "، وقوله:(مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) متعلّق بحال مقدَّر، أي حال كونكم مصاحبين له -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فَقَالَ) أنس -رضي الله عنه- (كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا) من الإهلال، أي يرفع صوته بالتلبية، وفي رواية النسائيّ:"كان يلبي الملبي"(فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) بالبناء للمفعول، أي لا أحد ينكر إهلاله؛ لكونه على صواب (وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ مِنَّا، فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ) وفي الرواية التالية: "قال: سرت هذا المسير مع النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، فمنّا المكبّر، ومنّا المهلّ، ولا يعيب أحدنا على صاحبه".
قال في "العمدة": والتكبير المذكور نوع من الذكر أدخله الملبّي في خلال التلبية من غير ترك التلبية؛ لأن المرويّ عن الشارع أنه لم يقطع التلبية حتى رمى جمرة العقبة، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعيّ، وقال مالك: يقطع إذا زالت الشمس، وقال مرّة أخرى: إذا وقف، وقال أيضًا: إذا راح إلى مسجد عرفة.
وقال الخطّابيّ: السنة المشهورة فيه أن لا يقطع التلبية حتى يرمي أوّل حصاة من جمرة العقبة يوم النحر، وعليها العمل، وأما قول أنس -رضي الله عنه- هذا فقد يَحْتَمِل أن يكون تكبير المكبّر منهم شيئًا من الذكر يُدخلونه في خلال التلبية الثابتة في السنة من غير ترك التلبية. انتهى.
وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا رخصة ولا حرج في التكبير، بل يجوز كسائر الأذكار، ولكن ليس التكبير في يوم عرفة من سنة الحجاج، بل السنة لهم التلبية إلى رمي جمرة العقبة يوم النحر. وحَكَى المنذريّ أن بعض العلماء أخذ بظاهره، لكنه لا يدل على فضل التكبير على التلبية، بل على جوازه فقط؛ لأن غاية ما فيه تقريره -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على التكبير، وذلك لا يدلّ على استحبابه، فقد قام الدليل الصريح على أن التلبية حينئذ أفضل لمداومته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "ليس من سنّة الحاجّ" فيه نظر؛ بل هو من سنته، وكذا قوله:"لا يدلّ على استحبابه" فيه نظر أيضًا، فكيف لا يدلّ عليه، وقد ثبت في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يخلط التكبير بالتلبية.