للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد تقدّم هذا غير مرّة، وإنما أعدته تذكيرًا؛ لطول العهد به، فتنبّه.

شرح الحديث:

(عَنْ عَبْدِ الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا) أي في وقتها، فاللام بمعنى "في"، قال ابن هشام الأنصاريّ رحمه الله في "المغني" عند تعداد معاني اللام: والعاشر: موافقة "في"، نحو قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: ٤٧]، وقوله: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: ١٨٧]، وقولهم: "مَضَى لسبيله"، قيل: ومنه قوله تعالى: {يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: ٢٤]؛ أي في حياتي، وقيل: للتعليل؛ أي لأجل حياتي في الآخرة. انتهى (١).

وفي رواية البخاريّ: "ما رأيتُ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صلّى صلاةً لغير ميقاتها … " (إِلَّا صَلَاَتَيْنِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ) بنصب "صلاةَ" على البدلية، أو بتقدير "أعني"، أي أعني بهما صلاة المغرب (وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ) قال القاري: أي صلاة المغرب في وقت العشاء أي وصلاة الظهر والعصر بعرفة، فإنه صلى العصر في وقت الظهر، ولعله رَوَى هذا الحديث بمزدلفة، ولذا اكتفى عن ذكر الظهر والعصر، فلا بدّ من تقديرهما، أو ترك ذكرهما لظهورهما عند كل أحد؛ إذ وقع ذلك الجمعُ في مجمع عظيم في النهار على رؤوس الأشهاد، فلا يحتاج إلى ذكره في الاستشهاد، بخلاف جمع المزدلفة، فإنه بالليل، فاختصّ بمعرفته بعض الأصحاب، والله تعالى أعلم.

والحاصل أن في العبارة مسامحةً، وإلا فلا يصح قوله: "إلا الصلاتين"، المرادِ بهما المغرب والعشاء، سواء اتصل الاستثناء، كما هو ظاهر الأداة، أو انقطع، كما بنى عليه ابن حجر (٢) البناء، فإن صلاة العشاء في ميقاتها المقدر شرعًا إجماعًا. انتهى كلام القاري. وقال وليّ الدين العراقيّ: قوله: "صلاة المغرب والعشاء بجمع" أي وكذا


(١) "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" ١/ ٤١٨.
(٢) أراد: ابن حجر الهيتميّ الفقيه الشافعيّ، شارح "المشكاة".