للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة: "صلّوا كما رأيتموني أصلي". انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خذوا … إلخ" أمر للاقتداء به، وحَوَالةٌ على فعله الذي وقع به البيان لمجملات الحجّ في كتاب الله تعالى، وهذا كقوله -صلى الله عليه وسلم- لما صلّى: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي"، متّفقٌ عليه.

قال: ويلزم من هذين الأمرين أن يكون الأصل في أفعال الصلاة والحجّ الوجوب، إلا ما خرج بدليل، كما ذهب إليه أهل الظاهر، وحُكي عن الشافعيّ. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢).

وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "حاشية النسائيّ": "خذوا عني مناسككم": أي تعلّموها مني، واحفظوها، وهذا لا يدل على وجوب المناسك، وإنما يدل على وجوب أخذها وتعلّمها، فمن استدلّ به على وجوب شيء من المناسك، فاستدلاله في محل النظر، فليتأمل. انتهى.

وكذا قال في "حاشية مسلم"، وعَلَّل ذلك بقوله: إذ وجوب تعلّم الشيء لا يدلّ على وجوب ذلك الشيء؛ إذ جميع المندوبات، والسنن يجب أخذها وتعلّمها، ولو على وجه الكفاية، وهي غير واجبة عملًا، فافهم، والله تعالى أعلم. انتهى كلام السنديّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله السنديّ -رَحِمَهُ اللهُ- من أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خذوا عني … إلخ" لا يدلّ على وجوب جميع أفعال المناسك، وإنما يدلّ على وجوب الأخذ والتعلم منه -صلى الله عليه وسلم-، هو الأظهر مما ذكره القرطبيّ، وغايته أنه يدلّ على وجوب تعلّم جميع المناسك، وأما وجوب كلّ عمل من أعمال المناسك فلا بدّ من شيء زائد، كالأمر به، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "شرح النوويّ" ٩/ ٤٥.
(٢) "المفهم" ٣/ ٣٩٩، ٤٠٠.
(٣) راجع: "المرعاة" ٩/ ١٧٩.