ومن أحسن التعاريف قول القرطبيّ في "المفهم": كلُّ ذنب أُطلق عليه بنصّ كتاب، أو سنة، أو إجماع أنه كبيرة، أو عظيم، أو أخبر فيه بشدة العقاب، أو عُلّق عليه الحدّ، أو شُدّد النكير عليه فهو كبيرة.
قال الحافظ: وعلى هذا فينبغي تتبع ما وَرَد فيه الوعيد، أو اللعن، أو الفسق من القرآن، والأحاديث الصحيحة والحسنة، ويُضَمّ إلى ما ورد فيه التنصيص في القرآن، والأحاديث الصحاح والحسان على أنه كبيرة، فمهما بلغ مجموع ذلك عُرِف منه تحرير عددها، وقد شرعتُ في جمع ذلك، وأسأل الله الإعانة على تحريره بمنّه وكرمه.
وقال الحليميّ في "المنهاج": ما من ذنب إلا وفيه صغيرة وكبيرة، وقد تنقلب الصغيرة كبيرة بقرينة تُضَمُّ إليها، وتنقلب الكبيرة فاحشةً كذلك، إلا الكفر بالله، فإنه أفحش الكبائر، وليس من نوعه صغيرة.
قال الحافظ: ومع ذلك فهو ينقسم إلى فاحش وأفحش، ثم ذكر الحليميّ أمثلة لما قال، فالثاني: كقتل النفس بغير حقّ، فإنه كبيرة، فإن قتل أصلًا أو فرعًا، أو ذا رحم، أو بالحرم، أو بالشهر الحرام، فهو فاحشة، والزنا كبيرةٌ، فإن كان بحليلة الجار، أو بذات رحم، أو في شهر رمضان، أو في الحرم، أو جاهر به فهو فاحشة.
والأول: كالمفاخذة مع الأجنبية صغيرةٌ، فإن كان مع امرأة الأب، أو حليلة الابن، أو ذات رحم فكبيرة، وسرقةُ ما دون النصاب صغير، فإن كان المسروق منه لا يملك غيره، وأفضى به عدمه إلى الضعف فهو كبيرة. وأطال في أمثلة ذلك، وفي الكثير منه ما يُتَعَقَّب، لكن هذا عنوانه، وهو منهجٌ حسن، لا بأس باعتباره، ومدارُهُ على شدة المفسدة وخفتها، والله تعالى أعلم. انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ.
(المسألة السابعة): قال العلماء رحمهم الله تعالى: الإصرار على الصغيرة يَجعلها كبيرةً، ورُوي عن عمر، وابن عباس، وغيرهما - رضي الله عنهم -: "لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار"، ومعناه: أن الكبيرة تُمحَى بالاستغفار، والصغيرة تصير كبيرة بالإصرار.
(١) راجع: "الفتح" ١٢/ ١٩٠ - ١٩١ "كتاب الحدود" رقم الحديث (٦٨٥٧).