للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن لحمها لا يُباع، فكذلك الجلود والجلال. وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يكسو جلالها الكعبة، فلما كُسيت الكعبة تصدق بها؛ أخذًا منه بهذا الحديث. انتهى (١).

وقوله: (وَجِلَالَهَا) بكسر الجيم، جمع جُلّ بضم الجيم، وفتحها، قال القرطبيّ رحمه الله: وفيه دليل على تجليل البدن، وهو ما مضى عليه عمل السلف، ورآه أئمة العلماء: مالك، والشافعي، وغيرهما، وذلك بعد إشعار الهدي؛ لئلا تتلطَّخ الجلال، وهي على قدر سعة الهدي؛ لأنها تطوع غير لازم، ولا محدود، قال ابن حبيب: منهم من كان يُجلِّل الوشي، ومنهم من يُجلِّل الْحِبَر، والقباطي، والملاحف، والأُزُر، وتجليلها: ترفيه لها، وصيانة، وتعظيم لحرمات الله، ومباهاة على الأعداء من المخالفين، والمنافقين، وقال مالك: وتُشَقّ على الأسنمة إن كانت قليلة الثمن؛ لئلا تسقط، وما علمتُ من تركَ ذلك إلا ابن عمر استبقاءً للثياب؛ لأنه كان يُجلِّل الجلال المرتفعة من الأنماط، والبرود، والحِبَر، قال مالك: أما الجِلال فتنزع؛ لئلا يخرقها الشوك، قال: وأحب إليّ إن كانت الجلال مرتفعة أن يترك شقُّها، ولا يجللها حتى تغدو من عرفات، ولو كانت بالثمن اليسير فتُشَقّ من حيث يُحْرم، وهذا في الإبل، والبقر دون الغنم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٢).

وقوله: (وَلَا يُعْطِيَ فِي جِزَارَتهَا مِنْهَا شَيْئًا) قال القرطبيّ رحمه الله: هذا يدلّ على أنه لا تجوز المعاوضة على شيء منها؛ لأن الجزار إذا عمل عمله استحقّ الأجرة على عمله، فإن دُفع له شيء منها كان ذلك عوضًا على فعله، وهو بيع ذلك الجزء منها بالمنفعة التي عملها، وهي الجزر، والجمهور على أنه لا يعطي الجازر منها شيئًا، تمسُّكًا بالحديث، وكان الحسن البصريّ، وعبد الله بن عبيد بن عمير لا يريان بأسًا أن يعطى الجزار الجلد. انتهى (٣).

والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام شرحه، وبيان مسائله في حديث أول الباب، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المفهم" ٣/ ٤١٦.
(٢) "المفهم" ٣/ ٤١٧.
(٣) "المفهم" ٣/ ٤١٦.