ويَحْتَمِل أن يكون لأمر دينيّ، وهو مراجعته للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وتأخر امتثاله أمره.
[فإن قلت]: هذا الأمر إنما هو للإباحة عند الجمهور، فكيف استَحْقّ الذم بترك المباح الذي لا حرج فيه؟
[قلت]: لَمّا فَهِمَ منه من توقفه في الإباحة، حيث صار يعارض أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- له بالركوب بقوله:"إنها بدنة" يشير بذلك إلى أنه لا يباح ركوبها؛ لكونها هديًا.
[فإن قلت]: معارضته النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الإباحة شديدة، تؤدي إلى الكفر، فكيف مَخْلَص هذا الرجل منها؟.
[قلت]: ما عارض عنادًا، بل ظَنّ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. لم يعلم أنها هديٌ، فلما عَلِم النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وقال له:"اركبها، وإن كانت بدنة" بادر لامتثال أمره، وركب، وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "فلقد رأيته راكبها، يساير النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والنعل في عنقها"، رواه البخاريّ من رواية عكرمة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
[فإن قلت]: في الرواية الأولى أنه -صلى الله عليه وسلم- بدأه بقوله:"ويلك"، ثم قاله له في المرة الثانية، والثالثة، وفي الرواية الثانية أنه قال له ذلك في الثانية، أو الثالثة، فكيف الجمع بينهما؟.
[قلت]: يَحْتَمِل أنه قال له ذلك في الأولى لأمر دنيويّ، وهو ما حَصَل له من الْجَهْد والمشقة بالمشي، وقال له ذلك في الثانية، أو الثالثة لأمر دينيّ، وهو مراجعته له، وتأخر امتثال أمره.
[الوجه الثاني]: أنه لم يُرد بهذه اللفظة موضوعها الأصليّ، بل هي مما يجري على لسان العرب في المخاطبة، من غير قصد لمدلوله، كما قيل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "تَرِبت يداك"، وقوله:"أفلح وأبيه، عَقْرَى حَلْقَى"، وكما تقول العرب:"لا أمّ له، لا أب له"، و"قاتله الله ما أشجعه"، ونظائر ذلك معروفة، وفي رواية ابن ماجه:"ويحك". انتهى (١).