"غرر الفوائد": أخرج مسلم رحمه اللهُ في "كتاب الحج" حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سنان بن سلمة، عن ابن عباس، أن ذؤيبا أبا قبيصة حدثه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "كان يبعث معه بالبُدن … " الحديث.
قال الرشيد: وهذا الإسناد غير متصل عند جماعة من أهل النقل، فإن قتادة لم يسمع هذا الحديث من سنان بن سلمة، قاله الإمامان: يحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين، وناهيك بهما جلالةً، ومعرفة بهذا الشأن، وذكر الحافظ أبو الفضل المقدسيّ أيضًا، أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه، عمدتها ما قاله يحيى القطان وابن معين.
قال الرشيد: ومما يؤيد ذلك أن سنان بن سلمة هذا هو سنان بن سلمة بن المحبِّق معدود في الصحابة -رضي الله عنهم-، وله أيضًا رواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد نصّ الإمام أبو حاتم الرازي على أن قتادة لم يَلْقَ من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أنس بن مالك، وعبد الله بن سَرْجِسَ، وذكر البخاريّ في "تاريخه" أنه سمع أنسًا، وأبا الطفيل، ولم يذكر له من الصحابة غيرهما.
والعذر لمسلم رحمه اللهُ أنه إنما أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد، في الشواهد؛ ليبيّن -والله أعلم- أنه قد رُوي من غير وجه، عن ابن عباس، وإلا فقد أخرجه قبل ذلك من حديث أبي التياح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- متصلًا، فثبت اتصاله في الكتاب. انتهى كلام رشيد الدين العطّار رحمه الله (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد أجاد الحافظ رشيد الدين العطّار رحمه اللهُ فيما أجاب به عن المصنّف رحمه الله، وخلاصته أن الانتقاد مدعوم بأن المصنّف إنما أورده في المتابعة، لا في الأصول؛ ليُبيّن أن الحديث مروي بُطرُق، والمتابعات يُغتفر فيها ما لا يُغتفر في الأصول، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٦٤/ ٣٢١٩](١٣٢٦)، و (ابن ماجه) في
(١) تقدّم نقل كلام الرشيد رحمه اللهُ هذا في "مقدّمة شرح المقدّمة" جـ ١ ص ١٢٠ - ١٢١، وإنما أعدته؛ لما ذكرته.