يردّه على ما بناه ابن الزبير، فقال له مالك: نشدتك الله يا أمير المؤمنين ألا تجعل هذا البيت ملعبةً للملوك، لا يشاء أحدٌ إلا نقض البيت وبناه، فتذهب هيبته من صدور الناس، فترك ما همّ به، واستحسن الناس هذا من مالك، وعَمِلوا عليه، فصار هذا كالإجماع على أنه لا يجوز التعرّض له بهدّ، أو تغيير، قاله القرطبيّ -رحمه الله- (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة -رضي الله عنها- هذا تقدّم أنه متّفقٌ عليه، وقد تقدّم تخريجه، وأما بسياق القصّة هذه، فمن أفراد المصنّف -رحمه الله-.
(المسألة الثانية): قال في "الفتح": قال المحبّ الطبريّ في "شرح التنبيه" له: والأصح أن القدر الذي في الحِجر من البيت قدر سبعة أذرع، والرواية التي جاء فيها أن الحِجر من البيت مطلقةً، فيُحْمَل المطلق على المقيّد فإن إطلاق اسم الكل على البعض سائغٌ مجازًا، وإنما قال النوويّ ذلك نصرةً لما رجّحه من أن جميع الحجر من البيت، وعمدته في ذلك أن الشافعيّ نصّ على إيجاب الطواف خارج الحجر، ونقل ابن عبد البرّ الاتفاق عليه، ونقل غيره أنه لا يُعرَف في الأحاديث المرفوعة، ولا عن أحد من الصحابة ومن بعدهم، أنه طاف من داخل الحجر، وكان عملًا مستمرًّا، ومقتضاه أن يكون جميع الحجر من البيت.
وهذا متعقَّبٌ، فإنه لا يلزم من إيجاب الطواف من ورائه أن يكون كله من البيت، فقد نصّ الشافعي أيضاً كما ذكره البيهقيّ في "المعرفة" أن الذي في الحجر من البيت نحو من ستة أذرع، ونقله عن عِدّة من أهل العلم، من قريش لَقِيَهُمْ، كما تقدم، فعلى هذا فلعله رأى إيجاب الطواف من وراء الحجر احتياطًا، وأما العمل فلا حجة فيه على الإيجاب، فلعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده فعلوه استحبابًا للراحة من تسوّر الحجر، لا سيما والرجال والنساء يطوفون