للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال بعض الشرّاح: مثال التنطّع في السؤال حتى يفضي بالمسؤول إلى الجواب بالمنع بعد أن يفتي بالإذن أن يسأل عن السِّلَعِ التي توجد في الأسواق، هل يكره شراؤها ممن هي في يده من قبل البحث عن مصيرها إليه، أو لا؟ فيجيبه بالجواز، فإن عاد، فقال: أخشى أن يكون من نهب، أو غصب، ويكون ذلك الوقت قد وقع شيء من ذلك في الجملة، فيحتاج أن يجيبه بالمنع، ويقيّد ذلك، إن ثبت شيء من ذلك حَرُم، وإن تردّد كُره، أو كان خلاف الأولى، ولو سكت السائل عن هذا التنطّع لم يزد المفتي على جوابه بالجواز.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في التمثيل للتنطّع في السؤال بهذا المثال نظر لا يخفى لمن تأمّل، والله تعالى أعلم.

قال: وإذا تقرّر ذلك، فمن يسدّ باب المسائل حتى فاته معرفة كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها، فإنه يقلّ فَهْمُهُ وعلمه، ومن توسّع في تفريع المسائل، وتوليدها، ولا سيّما فيما يقلّ وقوعه، أو يندر، ولا سيّما إن كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة، فإنه يذمّ فعله، وهو عين الذي كرهه السلف.

ومن أمعن في البحث عن معاني كتاب الله، محافظًا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعن أصحابه الذين شاهدوا التنزيل، وحصّل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه، ومفهومه، وعن معاني السنّة، وما دلّت عليه كذلك، مقتصرًا على ما يصلح للحجّيّة منها، فإنه الذي يُحمَد، ويُنتفع به، وعلى ذلك يُحمل عمل فقهاء الأمصار، من التابعين، فمن بعدهم حتى حدثت الطائفة الثانية، فعارضتها الطائفة الأولى، فكثر بينهم المراء والجدال، وتولّدت البغضاء، وتسمَّوْا خُصُومًا، وهم من أهل دين واحد، والواسط هو المعتدل من كلّ شيء، وإلى ذلك يشير قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث الباب: "فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم"، فإن الاختلاف يجرّ إلى عدم الانقياد.

وهذا كلّه من حيث تقسيم المشتغلين بالعلم.

وأما العمل بما ورد في الكتاب والسنّة، والتشاغل به، فقد وقع الكلام