للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للخير، وقدّرته عليه، والويل لمن خلقته للشرّ، وقدّرته عليه" (١). فلا حيلة تَعْمَل مع قَهْر، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣)} [الأنبياء: ٢٣].

ولَمّا تقرّر أن الكبر يَستدعي متكَبَّرًا عليه، فالمتكبَّرُ عليه إن كان هو الله تعالى، أو رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو الحقّ الذي جاء به رسوله، فذلك الكبر كفرٌ، وإن كان غير ذلك، فذلك الكبر معصيةٌ وكبيرة، يُخاف على المتلبّس بها المصرّ عليها أن تُفضي به إلى الكفر، فلا يدخل الجنّة أبدًا، فإن سلم من ذلك، ونَفَذ عليه الوعيد عوقب بالإذلال والصّغَار، أو بما شاء الله من عذاب النار، حتى لا يبقى في قلبه من ذلك الكبر مثقال ذرّة، وخُلِّص من خُبْث كبره حتى يصير كالذرّة، فحينئذ يتداركه الله برحمته، ويُخلّصه بإيمانه وبركته، وقد نصّ على هذا المعنى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في المحبوسين على الصراط لَمّا قال: "حتى إذا هُذِّبُوا، ونُقّوا، أُذن لهم في دخول الجنّة" (٢)، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (٣).

وقال النوويّ رحمه الله: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذَرَّة من كِبْر"، فقد اختُلِف في تأويله، فذكر الخطابيّ فيه وجهين:

[أحدهما]: أن المراد التكبر عن الإيمان، فصاحبه لا يدخل الجنة أصلًا إذا مات عليه.

[والثاني]: أنه لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة، كما قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف: ٤٣]، وهذان التأويلان فيهما بُعْدٌ، فإن هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف، وهو الإرتفاع على الناس، واحتقارهم، ودفع الحقّ، فلا ينبغي أن يُحمَل على هذين التأويلين الْمُخرِجين له عن المطلوب، بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين، أنه لا يدخل الجنة دون مجازاة إن جازاه، وقيل: هذا جزاؤه لو جازاه، وقد يتكرم بأنه لا يجازيه، بل لا بُدّ أن يدخل كلُّ الموحدين الجنة، إمّا


(١) أخرجه ابن شاهين في "شرح السنّة" عن أبي أمامة، بإسناد ضعيف.
(٢) رواه البخاريّ في "صحيحه" (٦٥٣٥)، وأحمد في "مسنده" ٣/ ١٣ و ٦٣ و ٧٤.
(٣) "المفهم" ١/ ٢٨٦ - ٢٨٨.