للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لها، لكن إن تاب، أو كانت له حسنات ماحية لذنبه، أو ابتلاه الله بمصائب، كَفَّر بها خطاياه، ونحو ذلك، زالت ثمرة هذا الكبر المانعِ له من الجنة، فيدخلها، أو غَفَرَ الله له بفضل رحمته من ذلك الكبر من نفسه، فلا يدخلها، ومعه شيء من الكبر، ولهذا قال مَن قال في هذا الحديث وغيره: إن المنفيّ هو الدخول المطلق الذي لا يكون معه عذاب، لا الدخول المقيَّد الذي يَحْصُل لمن دخل النار، ثم دخل الجنة، فإنه إذا أُطلق في الحديث: فلانٌ في الجنة، أو فلان من أهل الجنة، كان المفهوم أنه يدخل الجنة، ولا يدخل النار.

فإذا تبين هذا كان معناه: أن من كان في قلبه مثقالُ ذَرَّة من كبر ليس هو من أهل الجنة، ولا يدخلها بلا عذاب، بل هو مُسْتَحِقٌّ للعذاب؛ لكبره، كما يستحقها غيره من أهل الكبائر، ولكن قد يُعَذَّب في النار ما شاء الله، فإنه لا يُخَلَّد في النار أحد من أهل التوحيد، وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة قاطعُ رَحِم"، وقوله: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلكم على شيء، إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"، وأمثال هذا من أحاديث الوعيد، وعلى هذا، فالحديث عامٌّ في الكفار، وفي المسلمين.

وقول القائل: إن المسلمين يدخلون الجنة بالإسلام، فيقال له: ليس كلُّ المسلمين يدخلون الجنة بلا عذاب، بل أهل الوعيد يدخلون النار، ويمكثون فيها ما شاء الله، مع كونهم ليسوا كفّارًا، فالرجل الذي معه شيء من الإيمان، وله كبائر، قد يدخل النار، ثم يخرج منها إما بشفاعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإما بغير ذلك، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"، وكما في "الصحيح" أنه قال: "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"، وهكذا الوعيد في قاتل النفس، والزاني وشارب الخمر، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، وغير هؤلاء من أهل الكبائر، فإن هؤلاء، وإن لم يكونوا كفّارًا، لكنهم ليسوا من المستحقين للجنة الموعودين بها بلا عقاب.

ومذهب أهل السنة والجماعة أن فُسّاق أهل الملة ليسوا مخلدين في النار، كما قالت الخوارج، والمعتزلة، وليسوا كاملين في الدين والإيمان والطاعة، بل لهم حسنات وسيئات، يستحقون بهذا العقاب، وبهذا الثواب، وهذا مبسوط في موضعه، والله أعلم. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله