للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا) هذا ظاهر في فضل العمرة، وأنها مكفّرة للخطايا الواقعة بين العمرتين، قال الحافظ ابن عبد البرّ: "كفّارة لما بينهما" من الذنوب الصغائر، دون الكبائر، قال: وذهب بعض علماء عصرنا إلى تعميم ذلك، ثم بالغ في الإنكار عليه، قال الزرقانيّ: وكأنه يعني الباجيّ، فإنه قال: "ما" من ألفاظ العموم، فتقتضي من جهة اللفظ تكفير جميع ما يقع بينهما إلا ما خصّه الدليل.

واستشكل بعضهم كون العمرة كفّارة مع أن اجتناب الكبائر يكفّر، فماذا تكفّره العمرة؟

وأجيب بأن تكفير العمرة مقيّد بزمنها، وتكفير الاجتناب عامّ لجميع عُمُر العبد، فتغايرا من هذه الحيثيّة، ذكره الزرقانيّ (١).

وقال العينيّ: ظاهر الحديث أن الأولى هي المكفّرة؛ لأنها التي وقع الخبر عنها أنها تكفّر، ولكن الظاهر من جهة المعنى أن العمرة الثانية هي التي تكفّر ما قبلها إلى العمرة التي قبلها، فإن التكفير قبل وقوع الذنب خلاف الظاهر. انتهى (٢).

وقال الأبيّ: الأظهر أن الحديث خرج مخرج الحثّ على تكرير العمرة والإكثار منها؛ لأنه إذا حُمل على غير ذلك يُشكل بما إذا اعتمر مرّة واحدة، فإنه يلزم عليه أن لا فائدة لها؛ لأن فائدتها، وهو التكفير مشروطة بفعلها ثانية؛ إلا أن يقال: لم تنحصر فائدة العبادة في تكفير السيّئات، بل يكون فيها، وفي ثبوت الحسنات، ورفع الدرجات، كما ورد في بعض الأحاديث: من فعل كذا كُتب له كذا كذا حسنة، ومحيت عنه كذا كذا سيئة، ورُفعت له كذا كذا درجة، فتكون فائدتها إذا لم تكرّر ثبوت الحسنات، ورفع الدرجات، قال: وقال شيخنا أبو عبد الله -يعني ابن عرفة-: إذا لم تكرّر كفّر بعض ما وقع بعدها، لا كلّه -والله أعلم- بقدر ذلك البعض (٣).

(وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ) قال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللهُ-: هو الذي لا يخالطه شيء من


(١) "شرح الزرقانيّ على الموطّأ" ٢/ ٢٦٨.
(٢) "عمدة القاري" ١٠/ ١٠٨ - ١٠٩.
(٣) "شرح الأبّيّ" ٣/ ٤٤٤.