للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رجع خيرًا مما كان عُرف أنه مبرور، ولأحمد، والحاكم من حديث جابر: قالوا: يا رسول الله ما برّ الحجّ؟ قال: "إطعام الطعام، وإفشاء السلام". وفي إسناده ضعف، فلو ثبت لكان هو المتعيّن، دون غيره. انتهى بتصرّف يسير (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحديث المذكور قال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال الذهبيّ: صحيح، وحسّن سنده المنذريّ في الترغيب، والهيثميّ في "مجمع الزوائد"، لكن الحقّ تضعيفه كما قال الحافظ؛ لأن في سند أحمد محمد بن ثابت مجمع على ضعفه، وفي سند الحاكم أيوب بن سُويد، ضعّفه الجمهور، بل قال ابن معين: يسرق الأحاديث، والله تعالى أعلم.

وقال ابن العربيّ: الحجّ المبرور هو الذي لا معصية بعده، قال الأبيّ: وهو الظاهر؛ لقوله في الحديث الآخر: "من حجّ هذا البيت، فلم يَرْفُث، ولم يفسق … " الحديث؛ إذ المعنى: ثم لم يفعل شيئًا من ذلك، ولهذا عطفه بالفاء المُشعرة بالتعقيب، وإذا فسّر بذلك كان الحديثان بمعنى واحد، وتفسير الحديث بالحديث أولى، ويكون الرجوع بلا ذنب كناية عن دخول الجنّة مع السابقين. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن العربي، واستظهره الأبىّ هو الأرجح عندي، لكن بإبدال قوله: "بعده" بلفظ "فيه"، يعني أن الحجّ المبرور هو الذي ليس فيه رفثٌ، ولا فسوقٌ، بمعنى أنه لا معصية في حال إيقاعه، بل اجتنب فيه المحظورات الشرعية حال أدائه.

والحاصل أن معنى الحديثين واحدٌ، فيكون حديث: "من حجّ هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" تفسيرًا لمعنى قوله: "الحجّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنّة"، فإنه إذا رجع كيوم ولدته أمّه؛ أي: ليس عليه شيء من الذنوب كان من أهل الجنّة السابقين إليها من غير شكّ، والله تعالى أعلم.

(لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ) أي: ثوابٌ (إِلَّا الْجَنَّةُ") بالرفع، أو النصب، وهو نحو "ليس الطيب إلا المسك" بالرفع، فإن بني تميم يرفعونه حملًا لها على "ما" في الإهمال عند انتقاض النفي، كما حَمَل أهلُ الحجاز "ما" على "ليس" في


(١) "الفتح" ٥/ ٦ - ٧.