ثمّ لقي أبا حازم، فسمعه منه، فحدّث به على الوجهين، وصرّح أبو حازم بسماعه له من أبي هريرة عند البخاريّ من طريق شعبة. انتهى. والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه-، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ) وفي رواية للبخاريّ من طريق الثوريّ، عن منصور: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ" في رواية له من طريق سيّار، عن أبي حازم: "من حجّ لله"؛ أي: لابتغاء وجه الله تعالى، والمراد به الإخلاص.
ورواية مسلم هذه بلفظ: "من أتى هذا البيت"، تشمل الحجّ والعمرة، وقد أخرجه الدارقطنيّ من طريق الأعمش، عن أبي حازم، بلفظ: "من حجّ، أو اعتمر"، لكن في الإسناد إلى الأعمش ضعف، قاله في "الفتح".
وقال في موضع آخر: ويَجوز حمل لفظ "حجّ" على ما هو أعمّ من الحجّ والعمرة، فتساوي رواية "من أتى" من حيث إن الغالب أن إتيانه إنما هو للحجّ، أو العمرة. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أنه لا تَساوي بين الحجّ والعمرة في هذا الفضل، فالأَولى حمل رواية "من أتى" على رواية "من حجّ"، فيكون المعنى: من أتى هذا البيت للحجّ، والدليل على ذلك التفريق الذي تقدّم في حديث: "العمرةُ إلى العمرة كفّارة لما بينهما، والحجّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنّة"، فهذا التفريق يرشد إلى زيادة فضل الحجّ على العمرة، فتأمّل، والله تعالى أعلم.
(فَلَمْ يَرْفُثْ) بتثليث الفاء في الماضي، والضمّ، والفتح في المضارع، والرفث: الجماع، ويُطلق على التعريض به، وعلى الفحش من القول، وقال الأزهريّ: الرفث اسم جامع لكلّ ما يريده الرجل من المرأة، وكان ابن عمر يخصّه بما خوطب به النساء، وقال عياض: هذا من قول الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ}[البقرة: ١٩٣]، والجمهور على أن المراد به في الآية الجماع. انتهى.