للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنه آخر من مات بالمدينة من الصحابة -رضي الله عنهم-، وقوله: (يَقُولُ) هذه الجملة تفصيل وبيان لكيفيّة السؤال (هَلْ سَمِعْتَ فِي الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ) أي: في مقدار الوقت الذي يجوز للمهاجر أن يقيمه فيها إذا عاد إليها لحجّ، أو عمرة، أو نحو ذلك (شَيْئًا؟) وفي الرواية التالية: "عن حميد بن عبد الرحمن، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول لجلسائه: ما سمعتم في سُكنى مكة؟ "، وفي رواية البخاريّ من طريق حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن حميد الزهريّ، قال: "سمعت عمر بن عبد العزيز، يسأل السائب بن يزيد ابن أخت نَمِر، قال: ما سمعتَ في سُكنى مكةَ؟ .. ".

(فَقَالَ السَّائِبُ: سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لِلْمُهَاجِرِ إِقَامَةُ ثَلَاثٍ) من إضافة المصدر إلى الظرف؛ أي: له أن يقيم مدة ثلاث ليال، ذكّر الضمير لكون التمييز محذوفًا، فيجوز الوجهان، كما سبق غير مرّة (بَعْدَ الصَّدَرِ) بفتح المهملتين؛ أي: بعد الرجوع من منى، وانتهاء نسكه (بِمَكَّةَ") متعلّق بـ"إقامة"، وقوله: (كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا) الظاهر أنه مدرج من بعض الرواة، وفي الرواية التالية: "يُقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا"، وفي الرواية الثالثة: "ثلاث ليالٍ يمكثهنّ المهاجر بعد الصدر"، وفي الرواية الرابعة: "مَكْثُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثٌ".

قال النوويّ -رحمه الله-: معنى هذا الحديث أن الذين هاجروا يَحْرُم عليهم استيطان مكة، وحَكَى عياض أنه قول الجمهور، قال: وأجازه لهم جماعة -يعني بعد الفتح- فحملوا هذا القول على الزمن الذي كانت الهجرة المذكورة واجبة فيه.

قال: واتفق الجميع على أن الهجرة قبل الفتح كانت واجبة عليهم، وأن سُكنى المدينة كان واجبًا لنصرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ومواساته بالنفس، وأما غير المهاجرين، فيجوز له سُكنى أيّ بلد أراد، سواء مكة وغيرها بالاتفاق. انتهى كلام القاضي (١).

ويستثنى من ذلك مَن أَذِنَ له النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالإقامة في غير المدينة.


(١) راجع: "شرح النوويّ" ٩/ ١٢٢.