للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الزرقانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فإن قيل: إذا كان الطعن من الجنّ، فكيف يقع في رمضان، والشياطين تُصَفّد فيه، وتسلسل؟

[أجيب]: باحتمال أنهم يطعنون قبل دخول رمضان، ولا يظهر التأثير إلا بعد دخوله، وقيل غير ذلك، ويمكن أن يقال: إن المصفَّد بعض الشياطين، كما وقع في بعض الروايات، وهم الْمَرَدة، لا كلهم، فإن تصفيد الشياطين لا يستلزم تصفيد الجانّ كلهم.

وقد استُشكِل عدم دخول الطاعون المدينة مع كون الطاعون شهادةً، وكيف قُرن بالدجال، ومُدحت المدينة بعدم دخولهما؟

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والجواب أن كون الطاعون شهادةً ليس المراد بوصفه بذلك ذاته، وإنما المراد أن ذلك يترتب عليه، وينشأ عنه؛ لكونه سببه، فإذا استُحْضِر ما تقدم من أنه طعن الجنّ حَسُنَ مَدْحُ المدينة بعدم دخوله إياها، فإن فيه إشارة إلى أن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من دخول المدينة، ومن اتفق دخوله إليها لا يتمكن من طعن أحد منهم.

فإن قيل: طعن الجن لا يختص بكفارهم، بل قد يقع من مؤمنيهم.

قلنا: دخول كفار الإنس المدينة ممنوع، فماذا لم يسكن المدينة إلا من يُظهر الإسلام جرت عليه أحكام المسلمين، ولو لم يكن خالص الإسلام فحصل الأمن من وصول الجن إلى طعنهم بذلك، فلذلك لم يدخلها الطاعون أصلًا.

وقد أجاب القرطبيّ في "المفهم" عن ذلك، فقال: المعنى لا يدخلها من الطاعون مثل الذي وقع في غيرها كطاعون عَمَوَاس، والجارف، وهذا الذي قاله يقتضي تسليم أنه دخلها في الجملة، وليس كذلك، فقد جزم ابن قتيبة في "المعارف"، وتبعه جمعٌ جَمّ من آخرهم الشيخ محيي الدين النوويّ في "الأذكار" بأن الطاعون لم يدخل المدينة أصلًا، ولا مكة أيضًا، لكن نقل جماعة أنه دخل مكة في الطاعون العام الذي كان في سنة تسع وأربعين وسبعمائة، بخلاف المدينة، فلم يذكر أحد قط أنه وقع بها الطاعون أصلًا.

ولعل القرطبيّ بَنَى على أن الطاعون أعمّ من الوباء، أو أنه هو، وإنه الذي ينشأ عن فساد الهواء، فيقع به الموت الكثير، وقد مضى في "الجنائز" من