للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المقدس (فَجَاءَتْ مَيْمُونَةَ) - رضي الله عنها - (زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تُسَلِّمُ عَلَيْهَا) أي: تسليم توديع (فَأَخْبَرَتْهَا ذَلِكَ)؛ أي: بما جرى من شأنها في نذرها ذلك، وعزمها على وفائها به (فَقَالَتْ) ميمونة - رضي الله عنها - (اجْلِسِي)؛ أي: في بيتك، ولا داعي أن تخرجي إلى بيت المقدس (فَكُلِي مَا صنَعْتِ)؛ أي: الذي صنعته زادًا للسفر (وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -)؛ أي: للوفاء بنذرك، ثم حجّتها فيما أفتتها به بالفاء التعليليّة، فقالت: (فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "صَلَاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ") هكذا هنا بالإضافة، ووقع في بعض المواضع من النسائيّ بلفظ: "إلا المسجد الكعبة" بتعريف المسجد أيضًا، وعليه فـ "الكعبة" بدل من "المسجد".

والمراد بـ "مسجد الكعبة" الحرم كله على الراجح، فاستدلال بعضهم بهذه الرواية على تخصيص الفضل بما حول الكعبة فقط دون بقية الحرم غير صحيح؛ فإن هذه الرواية بمعنى الروايات الأخرى: "إلا المسجد الحرام"؛ إذ الكعبة تطلق على الحرم كله، بدليل قوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} الآية [المائدة: ٩٥]، فإنه لا خلاف بين أهل العلم أن المراد بالكعبة الحرم كله، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -؛ أي: واصلًا إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يُذبح هناك، ويفرَّق لحمه على مساكين الحرم، وهذا أمر مُتَّفَقٌ عليه في هذه الصورة. انتهى (١).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ - رحمه الله - في "تفسيره": ولم يُرِد الكعبة بعينها، فإن الهدي لا يبلغها؛ إذ هي في المسجد، وإنما أراد الحرم، ولا خلاف في هذا. انتهى (٢).

فظهر بهذا أنه لا اختلاف بين الروايتين، إذ معناهما واحد، وهو الحرم كله، كما سيأتي تحقيقه في المسائل، إن شاء الله تعالى.

[فائدة]: قال الحافظ وليّ الدين العراقيّ - رحمه الله -: (واعلم): أن للمسجد الحرام أربعة استعمالات:


(١) "تفسير ابن كثير" ٢/ ١٠٣.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ٦/ ٣١٤.