للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

طريق أبي عوانة، عن الأعمش: "من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج"، ويؤيده ما وقع في رواية للنسائيّ من طريق أبي معشر، عن إبراهيم النخعيّ: "من كان ذا طَوْل فلينكح"، ومثله لابن ماجه، من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وللبزار من حديث أنس - رضي الله عنه -، وأما تعليل المازريّ، فيَعْكُرُ عليه قوله في الرواية الأخرى عند البخاريّ بلفظ: "كنا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شبابًا، لا نجد شيئًا"، فإنه يدلّ على أن المراد بالباءة الجماع، ولا مانع من الحمل على المعنى الأعمّ، بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء، ومُؤَنِ التزويج، والجواب عما استشكله المازريّ أنه يجوز أن يُرْشَد من لا يستطيع الجماع من الشباب لفرط حياء، أو عدم شهوة، أو عُنَّةٍ مثلًا إلى ما يُهَيِّء له استمرار تلك الحالة؛ لأن الشباب مظنة ثوران الشهوة الداعية إلى الجماع، فلا يلزم من كسرها في حالة أن يستمر كسرها، فلهذا أرشد إلى ما يستمر به الكسر المذكور، فيكون قسم الشباب إلى قسمين: قسم يَتُوُقون إليه، ولهم اقتدار عليه، فندبهم إلى التزويج؛ دفعًا للمحذور، بخلاف الآخرين، فندبهم إلى أمر تستمرّ به حالتهم؛ لأن ذلك أرفق بهم؛ للعلة التي ذُكِرت في رواية عبد الرحمن بن يزيد، وهي أنهم كانوا لا يجدون شيئًا، ويستفاد منه أن الذي لا يجد أهبة النكاح، وهو تائق إليه يندب له التزويج دفعًا للمحذور. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - (١)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

(فَلْيَتَزَوَّجْ) أمرٌ بالتزوّج، وظاهره الوجوب، وبه قال بعض أهل العلم، وحمله الجمهور على الندب، والأول هو الحقّ على تفصيل سيأتي تحقيقه، إن شاء الله تعالى قريبًا.

(فَإِنَّهُ أَغَضُّ) الفاء للتعليل؛ أي: لأنه أشدّ غضًّا (لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ) أي: أشدّ إحصانًا له، ومنعًا من الوقوع في الفاحشة.

قال الحافظ - رحمه الله -: وما ألطف ما وقع لمسلم حيث ذكر عقب حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - هذا بيسير حديث جابر - رضي الله عنه - رفعه: "إذا أحدكم أعجبته المرأة، فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يردّ ما في نفسه"، فإن فيه إشارةً إلى المراد من حديث الباب.


(١) "الفتح" ١١/ ٣٢١ - ٣٢٢.