للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عباس أن ميمونة وأبا رافع كانا بالغين وقت تحمّل الحديث المذكور، وابن عباس ليس ببالغ وقت التحمل، وقد تقرر في الأصول ترجيح خبر الراوي المتحمل بعد البلوغ على المتحمل قبله؛ لأن البالغ أضبط من الصبي لِمَا تحمّل، وللاختلاف في قبول خبر المتحمل قبل البلوغ من الاتفاق على قبول خبر المتحمل بعد البلوغ، وإن كان الراجح قبول خبر المتحمل قبل البلوغ إذا كان الأداء بعد البلوغ؛ لأن المتفق عليه أرجح من المختلف فيه.

فإن قيل: يرجح حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه اتَّفَق عليه الشيخان في "صحيحيهما"، ومعلوم أن ما اتفق عليه مسلم والبخاري أرجح مما انفرد به مسلم، وهو حديث ميمونة، وأرجح مما أخرجه الترمذيّ، وأحمد، وهو حديث أبي رافع.

فالجواب أن غاية ما يفيده اتفاق الشيخين صحة الحديث إلى ابن عباس، ونحن لو جزمنا بأنه قاله قطعًا لم يمنع ذلك من ترجيح حديث ميمونة وأبي رافع عليه؛ لأنهما أعلم بحال الواقعة منه؛ لأن ميمونة صاحبة الواقعة، وأبو رافع هو الرسول المباشر لذلك، فلنفرض أن ابن عباس قال ذلك، وأن أبا رافع وميمونة خالفاه، وهما أعلم بالحال منه؛ لأن لكل منهما تعلقًا خاصًا بنفس الواقعة، ليس لابن عباس مثله.

ومن المرجِّحات التي رجّح بها بعض العلماء حديث تزوُّجه - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وهو حلال على حديث تزوجه إياها وهو محرم، أن الأول رواه أبو رافع وميمونة، والثاني رواه ابن عباس وحده، وما رواه الاثنان أرجح مما رواه الواحد، كما هو مقرر في الأصول.

ولكن هذا الترجيح المذكور يردّه ما ذكره ابن حجر في فتح الباري، ولفظه: فالمشهور عن ابن عباس أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تزوجها، وهو محرم، وصح نحوه عن عائشة، وأبي هريرة. انتهى.

وعلى تقدير صحة ما ذكره ابن حجر، فمن روى أن تزويجها في حالة الإحرام أكثر.

فإن قيل: يرجح حديثهم إذًا بالكثرة.

فالجواب أنهم وإن كثروا، فميمونة وأبو رافع أعلم منهم بالواقعة، كما