للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لم يقولوه بألسنتهم أنه لا يصحّ؛ لأن القصود في العقود معتبرةٌ، والمشروط عرفًا كالمشروط لفظًا، فيبطل العقد بشرط ذلك، والتواطئ عليه ونيّته، فإن سُمّي لكلّ واحدة مهرُ مثلها صحّ، وبهذا تظهر حكمة النهي، واتفاق الأحاديث في هذا الباب. انتهى كلام ابن القيّم - رحمه الله - (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الإمام أحمد - رحمه الله - أرجح؛ لأنه أقرب إلى ظاهر الحديث؛ لأن تفسير الشغار المذكور، إن كان مرفوعًا فواضحٌ، وإلا فتفسير الصحابيّ، أو الراوي أقرب؛ لأنه من أهل اللغة، وأفهم بمقاصد الشريعة.

والحاصل أن الشغار لا يكون شغارًا محرّمًا إلا إذا خلا عن ذكر المهر، فإن ذُكر المهر، جاز، اللَّهمّ إلا أن يترتّب عليه محظورٌ، وذلك بأن يشترط على أنه إذا حصل شقاقُ إحدى المرأتين مع زوجها، ففارقها انتُزعت الأخرى قهرًا بسبب ذلك، كما يُفعل في بعض البلدان، فلا يجوز؛ لإلحاق الضرر بالثانية؛ وقد صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا ضرر، ولا ضرار"، رواه أحمد (٢).

[فإن قلت]: أخرج أبو داود في "سننه" بإسناد صحيح، من طريق ابن إسحاق، حدّثني عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج، أن العبّاس بن عبد الله بن العباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وكانا جعلا صداقًا، فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فقد أوضح معاوية - رضي الله عنه - فيه أن الشغار يَشْمَل أيضًا ما سُمّي فيه المهر، قال ابن حزم - رحمه الله -: فهذا معاوية بحضرة الصحابة، لا يُعرف له منهم مخالف، يَفسَخ هذا النكاح، وإن ذكرا فيه الصداق. انتهى (٣).

[قلت]: هذا فهمُ معاوية - رضي الله عنه - في حمل الشغار على ما يشمل الصورة المذكورة في هذا الحديث، وقد تقدّم أن غيره خالفه في ذلك، ففسّروا الشغار


(١) "زاد المعاد في هدي خير العباد" ٥/ ١٠٨ - ١٠٩.
(٢) حديث صحيح، رواه الإمام أحمد - رحمه الله - في "مسنده" برقم (٢٨٦٢).
(٣) "المحلّى" ٩/ ٥١٦.