للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن منظور- رحمه الله -: وشَوّالٌ من أسماء الشهور، معروفٌ، اسم الشهر الذي يلي شهر رمضان، وهو أول أشهر الحجّ، قيل: سُمّي بتشويل لبن الإبل، وهو تَولّيهِ، وإدباره، وكذلك حال الإبل في اشتداد الحرّ، وانقطاع الرُّطْب، وقال الفرّاء: سُمّي بذلك لِشَوَلَان الناقة فيه بذنَبِها، والجمع شَوَاويل على القياس، وشَوَاوِل على طرح الزائد، وشوَالات. وكانت العرب تَطَيَّرُ من عقد النكاح فيه، وتقول: إن المنكوحة تمتنع من ناكحها كما تمتنع طَرُوقة الجَمَل إذا لَقِحَت، وشالت بذَنَبِها، فأبطل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - طِيَرَتَهُم. انتهى (١).

(فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) "أيُّ" اسم استفهام إنكاريّ، مبتدأ، خبره قولها: (كَانَ أَحْظَى) أفعل تفضيل من الحظوة، يقال: حَظِيَ عند الناس يَحْظَى، من باب تَعِبَ حِظَةً، وزان عِدَةٍ، وحظوةً بضمّ الحاء، وكسرها: إذا أحبّوه، ورفعوا منزلته، فهو حَظِيٌّ، على فَعِيلٍ، والمرأة حَظِيّةٌ، إذا كانت عند زوجها كذلك. قاله الفيّوميّ.

(عِنْدَهُ) - صلى الله عليه وسلم - (مِنِّي) الظرف، والجارّ والمجرور متعلّقان بـ "أحظى".

والمعنى: لا أحد أكثر حظوة عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - منّي، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - تزوّجني في شوّال، وبنى بي فيه، فبطل بذلك ما كان يزعمه الجاهليّة من التشاؤم بهذا الشهر.

وقال أبو العبّاس القرطبيّ - رحمه الله -: إنما قالت عائشة - رضي الله عنها - ذلك لتردّ به قول من كان يَكره عقدَ النكاح في شهر شوّال، ويتشاءم به من جهة أنّ شوّالًا من الشَّوْل، وهو الرفع، ومنه شالت الناقة بذنبها، وقد جعلوه كنايةً عن الهلاك؛ إذ قالوا: شالت نعامتهم: أي هلكوا، فشوّالٌ معناه كثير الشَّوْل، فإنه للمبالغة، فكأنهم كانوا يتوهّمون أن كلّ من تزوّج في شوّال منهنّ شال الشنآن بينها وبين الزوج، أو شالت نفرته، فلم تحصل لها حظوةٌ عنده، ولذلك قالت عائشة رادّةً لذلك الوهم: "فأيّ نسائه كان أحظى عنده منّي". أي: لم يضرّني ذلك، ولا نقص من حظوتي.

قال القرطبيّ: ومن هذا النوع كراهة الجهّال عندنا اليومَ عقد النكاح في


(١) "لسان العرب" في مادة شول.