للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمشهور عنه أنها فيمن لم يُهاجر من المسلمين؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: ٧٢].

فيكون هذا الحديث ومثله، حُجّةً لهذه المقالات، أو يكون قتله هذا لم يُعلَم إلا بقول أُسامة - رضي الله عنه -، ولم تَقُم بذلك بينةٌ، ولا تعقل العاقلة اعترافًا.

قال الجامع: في قوله: "إلا بقول أسامة … إلخ" نظر؛ لأنه سيأتي في الرواية الآتية: أن البشير بَلَّغ بذلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قبل أسامة، فتبصر، والله تعالى أعلم.

قال: ولم يكن لأسامة - رضي الله عنه - مالٌ، فيكون فيه الدية، أو يكون قد تحقّق النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بوحي الله تعالى أن المقتول لم يقل: لا إله إلا الله مخلصًا، بل قالها معتصمًا بها من القتل، غير معتقد لها، فكان كافرًا في الباطن، لكن شدّد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على أسامة الأمر، وعظّمه عليه؛ لئلا يواقعه ثانية في قائلها عن صحّة وحقيقة، وممن يكتم إيمانه، كما قال للمقداد - رضي الله عنه -، فلهذا كان أسامة بعدُ لا يقاتل مسلمًا، وحَلَفَ على ذلك، ولهذا قَعَد عن نصرة عليّ - رضي الله عنه -. انتهى كلام القاضي رحمه الله تعالى (١).

قال الجامع: قوله: "إن المقتول لم يَقُلْ مخلصًا، بل معتصمًا … إلخ" فيه نظر؛ إذ السياق يدفعه، فتأمله بإنصاف، ولهذا قال القرطبيّ رحمه الله تعالى بعدما ذكر نحو هذه الأجوبة، ما نصّه: وهذه الأوجه لا تَسْلَمُ عن الاعتراض، وتتبّع ذلك يُخرج عن المقصود، ولم أجد لأحد من العلماء اعتذارًا عن سقوط إلزام الكفّارة، فالأولى التمسّك بالاحتمالين المتقدّمين. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

قال الجامح عفا الله عنه: أراد القرطبيّ بالاحتمالين: احتمال كون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حكم بلزوم ذلك لأسامة وعاقلته، ولكنه لم يُنقَل، واحتمال أن يكون ذلك قبل نزول حكم الكفّارة والدية.

والذي يظهر لي أن الاحتمال الثاني هو أوجه الاحتمالين، وأرجحهما، وذلك لأن الاحتمال الأول بُعده ظاهرٌ، كالاحتمالات السابقة؛ لأن كونه - صلى الله عليه وسلم - حكم به، ثم لا ينقله أحد من الرواة، ولا يثبت في طرق من طرق الحديث


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٤٤٥ - ٤٤٨.
(٢) "المفهم" ١/ ٢٩٧ - ٢٩٨.