(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم نكاح الربيبة:
ذهب الجمهور إلى تحريم الربيبة مطلقًا، سواء كانت في حجره، أم لا؟.
وذهبت طائفة إلى أنها إذا لم تكن في حجره يجوز أن يتزوّجها.
وسبب ذلك اختلافهم في قوله تعالى:{فِي حُجُورِكُمْ} هل للغالب، أو يُعتبر فيه مفهوم المخالفة؟ فذهب إلى الأول الجمهور، وإلى الثاني بعضهم، وقد صحّ ذلك عن عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب - رضي الله عنهما -، فقد صحّ عن عمر - رضي الله عنه - أنه أفتى من سأله إذا تزوّج بنت رجل كانت تحته جدّتها، ولم تكن البنت في حجره، أخرجه أبو عبيد.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وغيرهما من طريق إبراهيم بن عُبيد، عن مالك بن أوس، قال: كانت عندي امرأة قد ولدت لي، فماتت، فوَجَدت عليها، فلَقِيت عليّ بن أبي طالب، فقال لي: ما لك؟ فأخبرته، فقال: ألها ابنة؟ - يعني من غيرك - قلت: نعم، قال: كانت في حجرك؟ قلت: لا، هي في الطائف، قال: فانكحها، قلت: فأين قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ}؟ قال: إنها لم تكن في حجرك.
قال الحافظ: وقد دفع بعض المتأخّرين هذا الأثر، وادّعى نفي ثبوته بأن إبراهيم بن عُبيد لا يُعرف، وهو عجيب، فإن الأثر المذكور عند ابن أبي حاتم في "تفسيره" من طريق إبراهيم بن عُبيد بن رفاعة، وإبراهيم ثقة، تابعيّ معروفٌ، وأبوه، وجدّه صحابيّان، والأثر صحيح عن عليّ - رضي الله عنه -.
وقال الحافظ بعد أثر عمر - رضي الله عنه - المتقدّم: وهذا وإن كان الجمهور على خلافه، فقد احتجّ أبو عبيد للجمهور بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فلا تَعْرِضنّ عليّ بناتكنّ"، قال: نعم، ولم يقيّد بالحجر. وهذا فيه نظرٌ؛ لأن المطلق محمول على المقيّد، ولولا الإجماع الحادث في المسألة، وندرة المخالف، لكان الأخذ به أولى؛ لأن التحريم جاء مشروطًا بأمرين: أن تكون في الحجر، وأن يكون الذي يريد التزويج قد دخل بالأمّ، فلا تحرم بوجود أحد الشرطين، واحتجّوا أيضًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو لَمْ تكن ربيبتي ما حلّت لي"، وهذا وقع في بعض طرق الحديث كما تقدّم، وفي أكثر طرقه:"لو لم تكن ربيبتي في حجري"، فقيّد بالحجر كما قيّد به القرآن، فقوي اعتباره، والله أعلم. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "لولا الإجماع الحادث" فيه نظر لا