وفيها مذهب آخر، وهو الفرق بين أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وغيرهنّ. قال طاوس: كان لأزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رضعات محرّمات، ولسائر الناس رضعات معلومات، ثم تُرك ذلك بعد.
وقد تبيّن الصحيح من هذه الأقوال، وبالله التوفيق. انتهى كلام ابن القيّم - رحمه الله - (١).
وقال الشوكانيّ - رحمه الله -: أجاب القائلون بتحريم قليل الرضاع وكثيره عن الأحاديث التي استدلّ بها القائلون بخمس رضعات بأجوبة:
[منها]: أنها متضمّنة لكون الخمس الرضعات قرآنًا، والقرآن شرطه التواتر، ولم يتواتر محلّ النزاع.
وأجيب بأن كون التواتر شرطًا ممنوعٌ، والسند ما أسلفنا عن أئمّة القراءات، كالجزريّ وغيره في "باب الحجّة في الصلاة بقراءة ابن مسعود، وأُبيّ" من أبواب الصلاة، فإنه نقل هو وجماعة من أئمة القراءات الإجماع على ما يُخالف هذه الدعوى، ولم يُعارضه نقله ما يصلح لمعارضته، كما بيّنّا ذلك هناك.
وأيضًا اشتراط التواتر فيما نُسخ لفظه على رأي المشترطين ممنوعٌ.
وأيضًا انتفاء قرآنيّته لا يستلزم انتفاء حجّيّته على فرض شرطيّة التواتر؛ لأن الحجّة ثبتت بالظنّ، ويجب عنده العمل، وقد عَمِلَ الأئمة بقراءة الآحاد في مسائل كثيرة، منها: قراءة ابن مسعود: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات"، وقراءة أُبيّ:"وله أخٌ أو أختٌ من أمّ"، ووقع الإجماع على ذلك، ولا مستند له غيرها.
وأجابوا أيضًا بأن ذلك لو كان قرآنًا لحُفِظ؛ لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩].
وأجيب بأن كونه غير محفوظ ممنوعٌ، بل قد حفظه الله برواية عائشة له.
وأيضًا المعتبر حفظ الحكم، ولو سُلّم انتفاء قرآنيّته على جميع التقادير لكان سنّة؛ لكون الصحابيّ راويًا له عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ لوصفه له بالقرآنيّة، وهو يستلزم