للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ) هكذا وقع في بعض النسخ: "رفع" بالفاء، ووقع في بعضها: "رجع" بالجيم، قال النوويّ رحمه الله تعالى في "شرحه": قوله: "فلما رجع عليه السيفَ"، كذا في بعض الأصول المعتمدة: "رَجَعَ" بالجيم، وفي بعضها: "رَفَعَ" بالفاء، وكلاهما صحيح، و"السيفَ" منصوبٌ على الروايتين، فـ "رَفَعَ"؛ لتعديه، و"رَجَعَ" بمعناه، فإن "رَجَعَ" يُستَعمل لازمًا، ومتعديًا، والمراد هنا المتعدي، ومنه قول الله عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ} [التوبة: ٨٣]، وقوله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠]، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

(قَالَ) ذلك المشرك (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَتَلَهُ، فَجَاءَ البَشِيرُ) أي الذي يَحمل البشارة بنصر المسلمين، وهزيمة الكفّار، وهو اسم فاعل من بَشَرَ (إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُ) أي عن خبر الحرب (فَأَخْبَرَهُ، حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ) يعني الذي قيل: إنه أسامة (كَيْفَ صَنَعَ) أي بالرجل المشرك الذي قتله بعد قوله: لا إله إلا الله (فَدَعَاهُ) أي دعا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك الرجل (فَسَأَلَهُ، فَقَالَ) هذا تفسير لسؤاله ("لِمَ قَتَلْتَهُ؟ ") أي بعد قوله: لا إله إلا الله، وقد تعلم أني قلت: أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم (قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْجَعَ فِي الْمُسْلِمِينَ) أي ألحق بهم الضرر، وآلمهم بالضرب والقتل (وَقَتَلَ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا) لكنهم لا يُعرفون، كما قال صاحب "التنبيه" (٢). (وَإِنِّي حَمَلْتُ عَلَيْهِ) أي شددتُ عليه، واجتهدتُ في قتله (فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَقَتَلْتَهُ؟ ") كرّر عليه تشديدًا للإنكار (قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ ") أي ليُخاصمك بها صاحبها (قَالَ: يَا رَسُولَ الله، اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ ") كرّره أيضًا للتشديد (قَالَ: فَجَعَلَ) - صلى الله عليه وسلم - (لَا يَزِيدُهُ) أي الرجل القاتل (عَلَى أَنْ يَقُولَ: "كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ ")، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - هذا تفرّد


(١) "شرح النوويّ " ٢/ ١٠٥.
(٢) "تنبيه المعلم" ص ٦٣.