(فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) - رضي الله عنهما - (هَذِهِ زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) تقدّم أن الزوج بلا هاء يُطلق على الرجل والمرأة، وهذه هي اللغة الفصحى، وبها جاء القرآن، كقوله:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}[البقرة: ٣٥]، وبعض العرب يقولون في المرأة: زوجة بالهاء (إِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا) - بعين مهملة، وشين معجمة -: هو السرير الذي يوضع عليه الميت (فَلَا تُزَعْزِعُوا) - بزايين معجمتين، وعينين مهملتين - والزعزعة تحريك الشي الذي يُرفَع، أي لا تحرّكوا جنازتها؛ احترامًا لهًا، وتوقيرًا، وقوله:(وَلَا تُزَلْزِلُوا) الزلزلة الاضطراب، فيكون مؤكّدًا لـ "تُزَعزعُوا"، وقوله:(وَارْفُقُوا) فيه إشارة إلى أن مراده بعدم الزعزعة، والتحريك هو الرفق بها؛ توقيرًا، وتعظيمًا لها، فيكون المطلوب هو السيرَ الوسطَ المعتدلَ (فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعُ) أي تسع نِسْوَةٍ أراد به عند موته - صلى الله عليه وسلم -، وهنّ سودة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجُويرية، وصفيّة، وميمونة، هذا ترتيب تزويجه - صلى الله عليه وسلم - إياهنّ - رضي الله تعالى عنهنّ -، ومات، وهنّ في عصمته، واختُلف في رَيحانة، هل كانت زوجة، أو سُرّيّةً، وهل ماتت قبله، أم لا؟. وسيأتي تمام البحث فيهنّ في المسألة الرابعة - إن شاء الله تعالى - (فَكَانَ يَقْسِمُ) بفتح أوّله، من باب ضرب (لِثَمَانٍ) أي ومن جملتهنّ ميمونة رضي الله تعالى عنها، فينبغي لكم أن تعرفوا فضلها، وتراعوا حقّها (وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ) وقوله: (قَالَ عَطَاءُ) بن أبي رباح (الَّتِي لَا يَقْسِمُ لَهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ) قال النوويّ - رحمه الله -: قول عطاء: "التي لا يقسم لها صفية": قال العلماء: هو وَهَمٌ من ابن جُريج الراوي عن عطاء، وإنما الصواب سودة، كما سبق في الأحاديث. انتهى.
وقال في "الفتح": قال عياض: قال الطحاويّ: هذا وَهَمٌ، وصوابه سودة، كما تقدّم أنها وهبت يومها لعائشة، وإنما غلط فيه ابن جريج، راويه عن عطاء. كذا قال، قال عياض: قد ذكروا في قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ}[الأحزاب: ٥١] أنه آوى عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة، فكان يستوفي لهنّ الْقَسْمَ، وأرجأ سودة، وجويرية، وأم حبيبة، وميمونة، وصفيّة، فكان يَقسم لهنّ ما شاء. قال: فيحتمل أن تكون رواية ابن جريج صحيحة، ويكون ذلك في آخر أمره، حيث آوى الجميع، فكان يَقسم لجميعهنّ إلا لصفيّة.