قال الشيخ - رحمه الله -: ولا يخفى ضعف هذا الجواب؛ لأن جماهير المحدثين والأصوليين على أن ما أسنده الصحابيّ إلى عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - له حكم المرفوع، وإن لم يصرح بأنه بلغه - صلى الله عليه وسلم -، وأقره.
(الجواب الثامن): أن حديث ابن عباس المذكور في غير المدخول بها خاصّةً؛ لأنه إن قال لها: أنت طالق بانت بمجرد اللفظ، فلو قال: ثلاثًا لم يصادف لفظ الثلاث محلًّا؛ لوقوع البينونة قبلها.
وحجة هذا القول أن بعض الروايات، كرواية أبي داود، جاء فيها التقييد بغير المدخول بها، والمقرر في الأصول هو حمل المطلق على المقيد، ولا سيما إذا اتَّحد الحكم والسبب، كما هنا. قال في "مراقي السعود":
وما ذكره الأُبِّيّ - رحمه الله - من أن الإطلاق والتقييد إنما هو في حديثين، أما في حديث واحد من طريقين، فمن زيادة العدل، فمردود بأنه لا دليل عليه، وأنه مخالف لظاهر كلام عامة العلماء، ولا وجه للفرق بينهما.
وما ذكره الشوكانيّ - رحمه الله - في "نيل الأوطار" من أن رواية أبي داود التي فيها التقييد بعدم الدخول فرد من أفراد الروايات العامة، وذِكْرُ بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه، لا يظهر؛ لأن هذه المسألة من مسائل المطلق والمقيد، لا من مسائل ذكر بعض أفراد العام، فالروايات التي أخرجها مسلم مطلقة عن قيد عدم الدخول، والرواية التي أخرجها أبو داود مقيدة بعدم الدخول، كما ترى، والمقرر في الأصول حَمْل المطلق على المقيد، ولا سيما إن اتَّحد الحكم والسبب، كما هنا.
نعم لقائل أن يقول: إن كلام ابن عباس في رواية أبي داود المذكورة وارد على سؤال أبي الصهباء، وأبو الصهباء لم يسأل إلا عن غير المدخول بها، فجواب ابن عباس لا مفهوم مخالفة له؛ لأنه إنما خص غير المدخول بها لمطابقة الجواب للسؤال.
وقد تقرر في الأصول أن من موانع اعتبار دليل الخطاب، أعني مفهوم المخالفة كون الكلام واردًا جوابًا لسؤال؛ لأن تخصيص المنطوق بالذكر لمطابقة السؤال، فلا يتعين كونه لإخراج حكم المفهوم عن المنطوق، وأشار