للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يحرّمها، وأما قول يحيى بن عمر، فإنه احتاط بأن جعله طلاقًا، فلما ارتجعها احتاط بأن ألزمه الكفّارةَ.

قال ابن العربيّ: وهذا لا يصحّ؛ لأنه جمع بين المتضادّين، فإنه لا يجتمع ظهار وطلاقٌ في معنى لفظ واحد، فلا وجه للاحتياط فيما لا يصحّ اجتماعه في الدليل.

وأما من قال: إنه يُنَوَّى في التي لم يدخل بها؛ فلأن الواحدة تُبينها، وتحرّمها شرعًا إجماعًا، وكذلك قال من لم يَحْكُمْ باعتبار نيّته: إن الواحدة تكفي قبل الدخول في التحريم بالإجماع، فيكفي أخذًا بالأقلّ المتَّفَق عليه، وأما من قال: إنه ثلاث فيهما، فلأنه أخذ بالحكم الأعظم، فإنه لو صرّح بالثلاث لنفذت في التي لم يدخل بها نفوذها في التي دخل بها، ومن الواجب أن يكون المعنى مثله، وهو التحريم.

وهذا كلّه في الزوجة، وأما في الأمة فلا يلزم فيها شيء من ذلك، إلا أن ينوي به العتق عند مالك، وذهب عامّة العلماء إلى أن عليه كفّارة يمين، قال ابن العربيّ: والصحيح أنها طلقة واحدة؛ لأنه لو ذكر الطلاق لكان أقلّه، وهو الواحدة إلا أن يعدّده، كذلك إذا ذكر التحريم يكون أقلّه إلا أن يقيّده بالأكثر، مثل أن يقول: أنت عليّ حرام إلا بعد زوج، فهذا نصّ على المراد. انتهى كلام القرطبيّ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أقرب الأقوال القول الثاني، وهو أنه يمين يكفّرها؛ لأنه مقتضى الآية، كما أشار إليه ترجمان القرآن عبد الله بن عبّاس - رضي الله عنهما -، كما بيّنه حديث الباب، وفي رواية النسائيّ من طريق سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتاه رجلٌ، فقال: إني جعلت امرأتي عليّ حرامًا، قال: كذبت، ليست عليك بحرام، ثم تلا هذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١]: عليك أغلظ الكفارة، عتق رقبة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ١٨٠ - ١٨٤ "تفسير سورة التحريم".