وأخرج ابن مردويه من طريق ابن أبي مُليكة، عن ابن عبّاس أن شرب العسل كان عند سودة، وأن عائشة وحفصة هما اللتان تواطأتا على وفق ما في رواية عُبيد بن عمير، وإن اختلفا في صاحبة العسل.
قال الحافظ رحمه الله: وطريق الجمع بين هذا الاختلاف الحمل على التعدّد، فلا يمتنع تعدّد السبب للأمر الواحد، فإن جُنح إلى الترجيح، فرواية عبيد بن عمير أثبت؛ لموافقة ابن عبّاس لها على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة، وجزم بذلك عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه -، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تُقرن في التظاهر بعائشة، لكن يمكن تعدّد القصّة في شرب العسل، وتحريمه، واختصاص النزول بالقصّة التي فيها أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان، ويمكن أن تكون القصّة التي وقع فيها شرب العسل عند حفصة كانت سابقة، ويؤيّد هذا الحمل أنه لم يقع في طريق هشام بن عروة التي فيها أن شرب العسل كان عند حفصة تعرّضٌ للآية، ولا لذكر سبب النزول، والراجح أيضًا أن صاحبة العسل زينب، لا سودة؛ لأن طريق عبيد بن عمير أثبت من طريق ابن أبي مليكة بكثير، ولا جائز أن تتّحد بطريق هشام بن عروة؛ لأن فيها أن سودة كانت ممن وافق عائشة على قولها:"أجد منك ريح مغافير"، ويرجّحه أيضًا ما ثبت عن عائشة "أن نساء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كنّ حزبين: أنا وسودة، وحفصة، وصفيّة، في حزب، وزينب بنت جحش، وأم سلمة، والباقيات في حزب"، فهذا يرجّح أن زينب هي صاحبة العسل، ولهذا غارت عائشة منها؛ لكونها من غير حزبها، والله أعلم.
وهذا أولى من جزم الداوديّ بأن تسمية التي شرب عندها العسل حفصة غلطٌ، وإنما هي صفيّة بنت حييّ، أو زينب بنت جحش.
وممن جنح إلى الترجيح عياضٌ، ومنه تلقّف القرطبيّ، وكذا نقله النوويّ عن عياض، وأقرّه، فقال عياضٌ: رواية عبيد بن عمير أولى؛ لموافقتها ظاهر كتاب الله؛ لأن فيه:{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ}[التحريم: ٤]، فهما ثنتان، لا أكثر، ولحديث ابن عباس عن عمر - رضي الله عنهم -، قال: فكأن الأسماء انقلبت على راوي الرواية الأخرى.