للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وسيأتي حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - أنه اعتزلهنّ تسعًا وعشرين، وهو الصحيح. انتهى (١).

(ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} حتى بلغ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}، قَالَ) جابر - رضي الله عنه - (فَبَدَأَ) - صلى الله عليه وسلم - التخيير (بِعَائِشَةَ) - رضي الله عنها - (فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ) بكسر الراء، من باب ضرب (عَلَيْكِ أَمْرًا، أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيه، حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْك، قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ، قَالَتْ: أَفِيكَ) الاستفهام إنكاريّ (يَا رَسُولَ اللهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللهَ) سبحانه وتعالى (وَرَسُولَهُ) - صلى الله عليه وسلم - (وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ) قال القرطبيّ رحمه الله: هذا قول أخرجته غَيْرتها، وحرصها على انفرادها بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -. انتهى.

(قَالَ: "لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ، إِلَّا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِيٍ مُعَنِّتًا) أي: مشدّدًا على الناس، ومُلزمًا إياهم ما يصعُب عليهم (وَلَا مُتَعَنِّتًا) أي: طالبًا زلّتهم، ورواية أحمد: "معنّفًا"، والمعاني متقاربة، فأما المعنّت: فهو من عنّته: إذا شدّد عليه، وألزمه ما يصعُب عليه أداؤه، والْمُتعنّت: هو الذي يطلب زلّة غيره، كما في "القاموس وأما التعنيف: فهو التشديد والتوبيخ، كما في "مجمع البحار" وغيره، والمراد: إنني لا أريد أن أشقّ على نسائي، أو أطلب زلّاتهنّ، فلا أمسك عن إخبارهنّ باختيارك (٢).

وقال القرطبيّ: أصل الْعَنَت: المشقّة، والْمُعنِت: هو الذي يوقع الْعَنَت بغيره، والْمُتَعَنّت: هو الذي يَحْمِل غيره على العمل بها، ويَحْتَمِلُ أن يقال: المُعنت هو المجبول على ذلك، والمتعنّت هو الذي يتعاطى ذلك، وإن لم يكن في جِبِلّته، وكأن عائشة - رضي الله عنها - توقّعت أنه إذا لم يُخبر أحدًا من زوجاته يكون فيهنّ من يختار الدنيا، فيفارقها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنهنّ إذا سمعن باختيارها هي له اقتدين بها، فيخترنه، وكذلك فعلن، ووقع للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه إن سألته واحدة منهنّ عن فعل عائشة، فلم يُخبرها كان ذلك نوعًا من الْعَنَت، وإدخالِ الضرر عليهنّ بسبب إخفاء ما يُسأل عنه، فقال مجيبًا: "إن الله لم يبعثني مُعنتًا" (وَلَكِنْ بَعَثَنِي


(١) "المفهم" ٤/ ٢٥٦.
(٢) "تكملة فتح الملهم" ١/ ١٧٧.