للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فإنه تفصيل لمذهب السلف الذي أشرنا إليه سابقًا، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقال في "الفتح": تمسك بتقرير النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعدًا على ما قاله مَن أجاز فِعْلَ ما قال سعد، وقال: إن وقع ذلك ذَهَب دم المقتول هَدَرًا، نُقِل ذلك عن ابن الموّاز من المالكية. انتهى، وقد تقدّم بسط ذلك وبيانه قريبًا، فلا تنس نصيبك منه.

(فَوَاللهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ) أي أشدّ غيرةً من سعد بن عبادة - رضي الله عنه - (وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ) جمع فاحشة، وهي القبائح؛ كالزنا، ونحوه، قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَحُشَ الشيءُ فُحْشًا، مثلُ قَبُح قُبْحًا وزنًا ومعنًى، وفي لغة من باب قتل، وهو فَاحِشٌ، وكلّ شيء جاوز الحدّ فهو فَاحِشٌ، ومنه غَبْنٌ فَاحِشٌ، إذا جاوزت الزيادةُ ما يُعتاد مثلُهُ، وأَفْحَشَ الرجلُ أتى بِالفُحْش، وهو القول السّيّئ، وجاء بِالفَحْشَاءِ مثله، ورماه بالفَاحِشَة، وجمعها فَوَاحِشُ، وأفحش بالألف أيضًا: بَخِلَ، وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} [الطلاق: ١]، قيل: معناه إلَّا أن يزنين، فَيُخْرَجن للحدّ، وقيل: إلَّا أن يرتكبن الفاحشة بالخروج بغير إذن. انتهى (١).

(مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي من الفواحش (وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ) قال في "الفتح": قال ابن بطال (٢): أجمعت الأمة على أن الله تعالى لا يجوز أن يوصف بأنه شخص؛ لأن التوقيف لَمْ يَرِد به، وقد منعت منه المجسمة، مع قولهم بأنه جسم لا كالأجسام، كذا قال، والمنقول عنهم خلاف ما قال.

وقال الإسماعيليّ: ليس في قوله: "لا شخص أغير من الله" إثبات أن الله شخص، بل هو كما جاء: ما خلق الله أعظم من آية الكرسيّ، فإنه ليس فيه إثبات أن آية الكرسيّ مخلوقة، بل المراد أنَّها أعظم من المخلوقات، وهو كما يقول من يصف امرأة كاملة الفضل، حسنة الخلق: ما في الناس رجل يشبهها، يريد تفضيلها على الرجال، لا أنَّها رجل.


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٦٣.
(٢) راجع: "شرح ابن بطال على البخاريّ" ١٠/ ٤٤٢.