للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبهذا يتّجه الإنكار على موالي بريرة؛ إذ وافقوا عائشة على بيعها، ثمّ أرادوا أن يشترطوا أن يكون الولاء لهم.

ويؤيّده قوله في رواية أيمن: "قالت: لا تبيعوني حتى تشترطوا ولائي"، وفي رواية الأسود، عن عائشة: "اشتريتُ بريرةَ لأعتقها، فاشترط أهلها ولاءها". انتهى (١).

(فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا) المراد بالأهل هنا السادة، والأهل في الأصل الآل، وفي الشرع: من تلزمه نفقته على الأصحّ عند الشافعيّة، قاله في "الفتح". (فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ) أي: تطلب الأجر من الله تعالى، قال الفيّوميّ رحمه اللهُ: احتسب الأجر على الله: ادّخره عنده، لا يرجو ثواب الدنيا، والاسم: الْحِسْبَةُ بالكسر، واحتَسَبْتُ بالشيء: اعتَدَدتُ به. انتهى (٢).

وقال ابن الأثير رحمه اللهُ: الاحتسابُ من الْحَسْب؛ كالاعتداد من الْعَدّ، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله: احتسبه؛ لأن لَه حينئذ أن يَعتدّ عمله، فجُعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتدّ به، والْحِسْبة اسم من الاحتساب؛ كالْعِدّة من الاعتداد، والاحتساب في الأعمال الصالحة، وعند المكروهات: هو الْبِدَارُ إلى طلب الأجر، وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البرّ، والقيام بها على الوجه المرسوم فيها؛ طلبًا للثواب المرجوّ منها. انتهى (٣).

(فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ لَنَا وَلَاؤُك، فَذَكَرَتْ) عائش - رضي الله عنها - (ذَلِكَ) أي: ما قاله أهل بريرة لبريرة (لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ابْتَاعِي، فَأَعْتِقِي) أي: اشتري بريرة، فأعتقيها، وفي رواية: "خذيها، فأعتقيها وفي حديث ابن عمر الماضي: "لا يمنعك ذلك".

ثم علّل ذلك بقوله: (فَإنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ") الفاء فيه تعليليّة؟ أي: لأن الولاء لمن أعتق المملوك، لا لمن باعه، قال في "الفتح": كلمة "إنما"


(١) "الفتح" ٦/ ٤٠٢ رقم (٢٥٦١).
(٢) "المصباح المنير" ١/ ١٣٥.
(٣) "النهاية في غريب الأثر" ١/ ٣٨٢.