المكاتب غير مفتقر إلى حكم حاكم إذا اتفق السيد والعبد عليه؛ لأن الحق لا يعدوهما، وهو المذهب المعروف، وقال سحنون: لا بدَّ من السلطان. وهذا: إنما خاف أن يتواطئا على ترك حق الله تعالى، وهذه التهمة فيها بُعْدٌ، فلا يلتفت إليها، ويدلُّ على أنها عجزت: ما وقع في "صحيح مسلم" من رواية ابن شهاب، حيث قال: إن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها، ولم تكن قَضَت من كتابتها شيئًا، فقالت لها عائشة - رضي الله عنها -: ارجعي إلى أهلك؛ فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك فعلتُ. فظاهر هذا: أن جميع كتابتها أو بعضها استحقت عليها؛ لأنه لا يُقْضَى من الحقوق إلا ما وجبت المطالبة به، والله أعلم (١).
(عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ) هذه الرواية، وهي رواية هشام عن أبيه، هي المشهورة في قدر بدل الكتابة، وقد وقعت في رواية للبخاريّ علّقها من طريق الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، مخالفة لهذه الرواية، ولفظها:"إن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها، وعليها خمس أواق، نُجّمت عليها في خمس سنين … "، وقد جزم الإسماعيليّ بأن هذه الرواية غلطٌ، قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن التسع أصل، والخمس كانت بقيت عليها، وبهذا جزم القرطبيّ، والمحبّ الطبريّ، لكن يعكُرُ عليه قوله في رواية قُتيبة:"ولم تكن أدّت من كتابتها شيئًا"، ويجاب بأنها كانت حصلت الأربع أواقٍ قبل أن تستعين عائشة، ثم جاءتها، وقد بقي عليها خمس، وقال القرطبيّ: يُجاب بأن الخمس هي التي كانت استحقّت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي المذكورة في حديث هشام. ويؤيّده قوله في رواية عمرة، عن عائشة، عند البخاريّ في "أبواب المساجد": "فقال أهلها: إن شئت أعطيت ما يبقى".
وذكر الإسماعيليّ أنه رأى في الأصل المسموع على الفربريّ في هذه الطريق أنها كاتبت على خمس أوساق، وقال: إن كان مضبوطًا، فهو يدفع سائر الأخبار.
قال الحافظ: لم يقع في شيء من النسخ المعتمدة التي وقفنا عليها إلا