للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا، وَأَعْتِقِيهَا، فَإنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ") قد تقدّم البحث في هذا مستوفًى.

وأشارت إلى القضيّة الثانية، وهي ثبوت الخيار للأمة إذا أُعتقت بقولها:

(قَالَتْ) عائشة - رضي الله عنهما - (وَعَتَقَتْ) بالبناء للفاعل، من باب ضَرَبَ (فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) أي: بين البقاء تحت زوجها، وعدم البقاء (فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا) وفي رواية الأسود عن عائشة: "فدعاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخيّرها من زوجها، قالت: لو أعطاني كذا وكذا ما أقمتُ عنده، فاختارت نفسها". وفي رواية عند البخاري: "فخُيّرت بين أن تقرّ تحت زوجها، أو تُفارقه". و"تقرّ" بفتح القاف، وتشديد الراء؛ أي: تدوم، وفي رواية للدارقطنيّ من طريق أبان بن صالح، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها -: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال لبريرة: "اذهبي فقد عَتَقَ بُضْعُك".

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قولها: "وعتقت فخيّرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختارت نفسها"، هذه الرواية فيها إجمال وإطلاق، وقد زال إجمالها، وتقيَّد إطلاقها بالروايتين المذكورتين بعدها، فإن فيهما: أن بريرة كان لها زوج حين أعتقت، وأن زوجها كان عبدًا، ومقتضى هذا الحديث بقيوده مجمع عليه؛ وهو: أن الأمة ذات الزوج العبد إذا أُعتِقت مخيرةٌ في الرِّضا بالبقاء مع زوجها أو مفارقته؛ لشرف الحرّية الذي حصل لها على زوجها، ولدفع مضرَّة المعرَّة اللاحقة لها بمُلك العبد لها، ولَمَّا كان هذا راجعًا لحقها، لا لحق الله تعالى: خيّرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أن تأخذ بحقها فتفارقه، أو تسقطه؛ فترضى بالمقام معه، وعلى هذا: فلو كان زوجها حرًّا لم يكن لها خيار للمساواة بينهما، ولنفي الضرر اللاحق بها، وهذا مذهب جمهور العلماء.

وقد شذَّ أبو حنيفة، فأثبت لها الخيار، وإن كان زوجها حرًّا؛ متمسِّكًا بما قال الحكم: إن زوج بريرة كان حرًّا، وكذلك قال الأسود، وكلاهما لا يصح، قال البخاري: إن قول الحكم مرسل، وقول الأسود منقطع، قال: وقول ابن عباس: "كان عبدًا" أصح، وكذلك رواه جماعة عن يزيد بن رُومان، عن عروة، عن عائشة: أنه كان عبدًا، وهو الصحيح عنها.

وقد تمسَّك أيضًا أبو حنيفة بما تخيَّله من أن علَّة تخيير بريرة كونها كانت