للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

إِنَّ الشَّبَابَ لَرَابِحٌ مَنْ بَاعَهُ … وَالشَّيْبُ لَيْس لِبَائِعِهِ تِجَارُ

يعني من اشتراه، ومن استعمال الشراء بمعنى البيع قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} الآية [يوسف: ٢٠]؛ أي: باعوه، ويُطلق على كلّ من المتعاقدين أنه بائعٌ، ولكن إذا أطلق البائع، فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة، ويطلق البيع أيضًا على المبيع، فيقال: بيعٌ جيّد، وبعت زيدًا الدارَ، يتعدّى إلى مفعولين، وكثر الاقتصار على الثاني؛ لأنه المقصود بالإسناد، ولهذا تتمّ به الفائدة، نحو بعت الدار، ويجوز الاقتصار على الأول، عند عدم اللبس، نحو بعت الأميرَ؛ لأن الأمير لا يكون مملوكًا يُباع، وقد تدخل "من" على المفعول الأول على وجه التأكيد، فيقال: بعت من زيد الدارَ، كما يقال: كتمته الحديثَ، وكتمتُ منه الحديث، وربّما دخلت اللام مكان "من"، فيقال: بعتك الشيء، وبعته لك، فاللام زائدة زيادتَها في قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} الآية [الحج: ٢٦]، والأصل بوّأنا إبراهيم، وابتاع زيد الدار بمعنى اشتراها، وابتاعها لغيره: اشتراها له، وباع عليه القاضي؛ أي: من غير رضاه، والمبتاعُ مَبِيعٌ على النقص، ومبيُوعٌ على التمام، مثلُ مَخِيط، ومَخْيُوط.

والأصل في البيع مبادلة مال بمال؛ لقولهم: بيْعٌ رابحٌ، وبيعٌ خاسرٌ، وذلك حقيقة في وصف الأعيان، لكنه أُطلق على العقد مجازًا؛ لأنه سبب التمليك، والتملّك، وقولهم: صحّ البيع، أو بطل، ونحوُهُ؛ أي: صيغة البيع، لكن لَمّا حُذف المضاف، واقيم المضاف إليه مُقامه، وهو مذكرٌ أُسند الفعل إليه بلفظ التذكير.

والْبَيْعة: الصَّفْقة على إيجاب البيع، وجمعها بَيْعَات بالسكون، وتُحرّك في لغة هُذيل، كما بيضة وبيْضَات، وتُطلق أيضًا على المبايعة والطاعة، ومنه "أيمان البيعة"، وهي التي رتّبها الحجّاج، مشتملةً على أمور مغلّظة، من طلاق، وعتق، وصوم، ونحو ذلك، قاله الفيّوميّ - رحمه الله - (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: قال الأزهريّ: تقول العرب: بِعْتُ بمعنى بِعْتُ ما كنت ملكته، وبِعْتُ بمعنى اشتريته، قال: وكذلك شريت بالمعنيين، قال: وكل


(١) "المصباح المنير" ١/ ٦٩.