[أحدها]: أن يوجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع، فهذا يحرِّم السوم على غير ذلك المشتري، وهو الذي تناوله النهي.
[الثاني]: أن يَظهر منه ما يدل على عدم الرضا، فلا يحرم السوم؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، باع فيمن يزيد، قال: وهذا أيضا إجماع المسلمين، يبيعون في أسواقهم بالمزايدة.
[الثالث]: أن لا يوجد منه ما يدل على الرضا، ولا على عدمه، فلا يجوز له السوم أيضًا، ولا الزيادة؛ استدلالًا بحديث فاطمة بنت قيس، حين ذكرت للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أن معاوية، وأبا جهم خطباها، فأمرها أن تنكح أسامة، وقد نهى عن الخطبة على خطبة أخيه، كما نهى عن السوم على سوم أخيه، فما أبيح في أحدهما، أبيح في الآخر.
[الرابع]: أن يظهر منه ما يدل على الرضا، من غير تصريح، فقال القاضي: لا تحرم المساومة، وذكر أن أحمد نصّ عليه في الخِطبة، استدلالًا بحديث فاطمة، ولأن الأصل إباحة السوم، والخطبة، فَحَرُمَ منع ما وجد فيه التصريح بالرضا، وما عداه يبقى على الأصل، ولو قيل بالتحريم ههنا: لكان وجهًا حسنًا، فإن النهي عامّ، خرجت منه الصور المخصوصة بأدلتها، فتبقى هذه الصورة على مقتضى العموم، ولأنه وجد منه دليل الرضا، فأشبه ما لو صرح به، ولا يضر اختلاف الدليل بعد التساوي في الدلالة، وليس في حديث فاطمة ما يدل على الرضا؛ لأنها جاءت مستشيرة للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وليس ذلك دليلًا على الرضا، فكيف ترضى، وقد نهاها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"لا تفوتينا بنفسك"؟ فلم تكن تفعل شيئًا قبل مراجعة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، والحكم في الفساد كالحكم في البيع على بيع أخيه، في الموضع الذي حكمنا بالتحريم فيه. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: إن ما قاله القاضي من أنه لا تَحْرُم المساومة في هذه الصورة هو الأقرب؛ لظهور حجته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.