قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بهذا أن الجمهور على أن البيع صحيح، وهو الحقّ؛ لأن الشارع خيّر البائع، بين إمضاء البيع، وفسخه، وإنما يكون الخيار بينهما في عقد صحيح، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في معنى الخيار الذي ثبت في هذه المسألة:
قال الحافظ وليّ الدين - رحمه الله -: قال الشافعيّة: لا خيار للبائع قبل أن يَقْدَم، وَيعْلَم السعرَ، فإذا قَدِم، فإن كان الشراء بأرخص من سعر البلد، ثبت له الخيار، سواء أخبر المتلقّي بالسعر كاذبًا، أم لم يُخبر، وإن كان الشراء بسعر البلد، أو أكثر، فوجهان:
[أصحهما] عندهم: أنه لا خيار له؛ لعدم الغبن.
[والثاني]: ثبوته؛ لإطلاق الحديث، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "فمن تلقّاه، فاشترى منه، فإذا أتى سيّده السوق، فهو بالخيار".
وقال الحنابلة أيضًا بثبوت الخيار، لكنهم قيّدوه بأن يُغبن بما لا يُغبن به عادةً، واختلفوا في تقديره، فقدّره بعضهم بالثلث، وبعضهم بالسدس.
واختلف المالكيّة القائلون بأن البيع لا يبطل على قولين:
[أحدهما]: أن السلعة تُعرض على أهل السلع في السوق، فيشتركون فيها بذلك الثمن، بلا زيادة، فإن لم يوجد لها سوقٌ، عُرضت على الناس في المصر، فيشتركون فيها، إن أحبّوا، فإن نقصت عن ذلك الثمن، لزمت المشتري، قاله ابن القاسم، وأصبغ.
[والثاني]: يفوز بها المشتري، وقال الليث بن سعد: إن كان بائعها لم يذهب رُدّت إليه، حتى تباع في السوق، وإن كان قد ذهب، ارتُجعت منه، وبيعت في السوق، ودُفع إليه ثمنها. انتهى (١).
وقال الإمام ابن قدامة - رحمه الله - بعد أن ذكر ما تقدّم في المسألة السابقة من الخلاف -: فإذا تقرر هذا، فللبائع الخيار، إذا علم أنه قد غُبِن، وقال أصحاب