للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معنى التلقّي، وأما الموضع البعيد الذي لا يقدر فيه على ذلك، فيجوز فيه البيع، وليس بتلقّ.

قال مالك: وأكره أن يشتري في نواحي المصر حتى يهبط به السوق.

قال ابن المنذر: وبلغني هذا القول عن أحمد، وإسحاق أنهما نهيا عن التلقّي خارج السوق، ورخّصا في ذلك في أعلى السوق إلى آخر كلامه، فردّ تبويب البخاري إلى مذهبه، والمعنى الذي ذكره في أنه إذا وجد من يسأله عن السعر كان الشراء حرامًا، وإن لم يجد من يسأله عن السعر، كان جائزًا غير ملائم، والذي يقتضيه النظر عكسه، والله أعلم.

وحَكَى ابن عبد البرّ عن الليث بن سعد أنه قال: أكره تلقي السلع، وشراءها في الطريق، أو على بابك، حتى تقف السلعة في سوقها التي تباع فيها، قال: وإن كان على بابه، أو في طريقه، فمزت به سلعة، يريد صاحبها سوق تلك السلعة، فلا بأس أن يشتريها، إذا لم يقصد التلقّي، إنما التلقّي أن يقصد لذلك. انتهى (١).

وذكر ابن حزم أن حديث ابن عمر هذا استدلّ به من أجاز التلقّي، قال: ولا حجة لهم فيه؛ لستّة أوجه:

[أحدها]: أن المحتجّين به هم القائلون بأن الصحابيّ إذا روى خبرًا، ثم خالفه، فقوله حجة في ردّ الخبر، وقد صحّ عن ابن عمر الفتيا بترك التلقّي.

[ثانيها]: أنه لا كراهة عندهم في بيع الطعام حيث ابتاعه.

[ثالثها]: أن معنى قوله: "فنهانا أن نبيعه": أن نبتاعه.

[رابعها]: أن هذا منسوخ بالنهي.

[خامسها]: أنه محمول على أن البائعين أجازوا البيع.

[سادسها]: ما قدّمته من أن الرواية الأخرى بيّنت أن التلقّى كان إلى أعلى السوق من غير خروج عنه. انتهى من "المحلّى" باختصار (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن مما سبق أنه لا يحلّ لأحد تلقي الجلب، سواء خرج لذلك، أو كان ساكنًا في طريق الجالبين، وسواء بَعُدَ


(١) "طرح التثريب" ٦/ ٦٨ - ٦٩.
(٢) "المحلى" ٨/ ٤٥١.